التعليق على الموافقات (1434) - 12

سمِّ.

طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الرابعة: فنقول وبالله التوفيق: إن للناس في هذا المعنى مآخذ؛ منها: ما هو عام جدًّا، وكأنه جارٍ مجرى أخذ الدليل من الكتاب على صحة العمل بالسنة ولزوم الاتباع لها، وهو في معنى أخذ الإجماع من معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] الآية".

وأول من استدل بالآية على حجية الإجماع الإمام الشافعي -رحمه الله-.

طالب: "وممن أخذ به عبد الله بن مسعود".

يعني هذا العموم الذي هو أخذ الدلائل من عموم الكتاب والسنة.

طالب: "وممن أخذ به عبد الله بن مسعود، فروي أن امرأةً من بني أسد أتته، فقالت له: بلغني أنك لعنت ذيت وذيت والواشمة والمستوشمة، وإنني قد قرأت ما بين اللوحين، فلم أجد الذي تقول".

يعني ما في كتاب الله في القرآن لعن الواشمة والمستوشمة، مع أنه قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وبيننا وبينك كتاب الله. قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، والرسول ثبت عنه اللعن. إذًا إذا أطعنا الرسول في هذا الكلام، فإننا قد أطعنا الله.

طالب: "فقال لها عبد الله: أما قرأت {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 7]؟".

نعم. هذا مما آتانا به الرسول، فنحن مأمورون بالأخذ به، بالقرآن. نعم.

طالب: "قالت: بلى. قال: فهو ذاك. وفي رواية قال عبد الله: «لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله». قال: فبلغ ذلك امرأةً من بني أسد، فقالت: يا أبا عبد الرحمن بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت. فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته! فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله- عزَّ وجلَّ-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] الحديث".

يعني هذه الآية تأمر بجميع ما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن كل ما صح عنه داخل في هذه الآية، كما أنه داخل في قوله -جل وعلا-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].

طالب: "فظاهر قوله لها: هو في كتاب الله، ثم فسّر ذلك بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ..} [الحشر: 7] دون قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119]، أن تلك الآية تضمنت جميع ما جاء في الحديث النبوي، ويُشعر بذلك أيضًا ما روي عن عبد الرحمن".

يعني لو قيل: إن الواشمة والمستوشمة والمتنمصة والمتفلجة مستجيبة للشيطان في أمره المذكور في قوله -جل وعلا-: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119]، لو استُدل بهذه الآية ما يكون أقرب؟

طالب: نعم.

لكن ابن مسعود يريد من ورائه أو من جراء قوله: إن السنة كلها مقبولة؛ لأنها داخلة في هذه الآية: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، لأنه إذا تم الجواب عن هذه القضية فكل قضية تحتاج إلى جواب من كلام الله، اقطع دابر هذا الإشكال واستدل بالعموم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

طالب: "ويشعر بذلك أيضًا ما روي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى مُحرمًا عليه ثيابه، فنهاه، فقال: ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي. فقرأ عليه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] الآية".

الآن يتداولون من أجل التنصل عن الأوامر، ومن أجل التلبس بفعل المحظورات والمنكرات، يتذرعون بمثل هذا: ائتني بآية من كلام الله. إذا قيل له: هذا الفعل حرام، قال: هات. ثم إذا أُتي بمثل هذه الآية، قال: هذه الآية ما تنص على ما نريد، وإذا أُتي بحديث تنصل منه وقال: الحديث هذا بفهم من؟ ألوف مؤلفة للأفهام في مثل هذا الحديث. تقول له: بفهم سلف الأمة وأئمتها. يقول: هم رجال ونحن رجال!

وقد قيل لبعض العلماء مثل هذا الكلام من شاب، قال: لماذا نُلزم بفهم الصحابة والتابعين وهم رجال ونحن رجال؟ قال: هم رجال وأنت حمار! شاب ما يفهم شيئًا، ولا قرأ شيئًا، ولا عرف شيئًا يقول مثل هذا الكلام! والله المستعان.

 كل هذا من أجل، وأنا سمعت في مناظرة لما أورد دليل من القرآن ومن السنة على شخص يريد أن يتنصل من جميع الأوامر- نسأل الله العافية- قيل له هذه الآية أو هذا الحديث، قال لك: بفهم من؟ مليون فهم للناس لهذه الآية ولهذا الحديث، هل هذا يريد الحق؟ نحن مقيدون بفهم سلف هذه الأمة وأئمتها، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، وإذا لم نقتدِ بسلف هذه الأمة، ولم نحترمهم، ولم نعظمهم، بل نذمهم، ونسبهم، فأين نحن من قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10]؟

طالب: "وروي أن طاووسًا كان يصلي ركعتين بعد العصر، فقال له ابن عباس: اتركهما. فقال: إنما نُهي عنهما أن تُتخذا سنةً. فقال ابن عباس: قد نهى رسول الله -صلى لله عليه وسلم- عن صلاة بعد العصر، فلا أدري أتعذب عليها أم تؤجر؛ لأن الله قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].

 وروي عن الحكم بن أبان أنه سأل عكرمة عن أمهات الأولاد، فقال: هن أحرار. قلت: بأي شيء؟ قال: بالقرآن. قلت: بأي شيء في القرآن؟ قال: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وكان عمر من أولي الأمر قال: عَتَقْت ولو بسقط".

"عَتَقَتْ".

طالب: "عَتَقَتْ ولو بسقط. وهذا المأخذ يشبه الاستدلال على إعمال السنة أو هو هو، ولكنه أُدخل مدخل المعاني التفصيلية التي يدل..".

يعني في مسألة جزئية، وأيضًا مبنية على مسألة جزئية؛ لأن الاستدلال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وأولو الأمر جاء الأمر بطاعتهم، لكن طاعتهم فرع عن طاعة الله وعن طاعة رسوله، وليست بأصل؛ ولذلك ما كُرر الفعل معها: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} [النساء: 59]؛ لأن طاعة أولي الأمر داخلة في طاعة الله ورسوله.

طالب: "وهذا المأخذ يشبه الاستدلال على إعمال السنة، أو هو هو، ولكنه أُدخل مدخل المعاني التفصيلية التي يدل عليها الكتاب من السنة.

 ومنها: الوجه المشهور عند العلماء، كالأحاديث الآتية في بيان ما أُجمل ذكره من الأحكام، إما بحسب كيفيات العمل أو أسبابه أو شروطه أو موانعه أو لواحقه، أو ما أشبه ذلك، كبيانها للصلوات على اختلافها في مواقيتها وركوعها وسجودها وسائر أحكامها، وبيانها للزكاة في مقاديرها وأوقاتها ونصب الأموال المزكَّاة وتعيين ما يزكى مما لا يزكى، وبيان أحكام الصوم وما فيه مما لم يقع النص عليه في الكتاب، وكذلك الطهارة الحدثية والخبثية، والحج، والذبائح والصيد وما يؤكل".

لأن في الكتاب منها أوامر عامة مجملة، تفصيلها وبيانها وتخصيصها وتقييدها جاء بالسنة. نعم.

طالب: "وكذلك الطهارة الحدثية والخبثية، والحج، والذبائح والصيد وما يؤكل مما لا يؤكل، والأنكحة وما يتعلق بها من الطلاق والرجعة والظهار واللعان، والبيوع وأحكامها، والجنايات من القصاص وغيره، كل ذلك بيان لما وقع مجملاً في القرآن، وهو الذي يظهر دخوله تحت الآية الكريمة: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]. وقد رُوي عن عمران بن حصين أنه قال لرجل: إنك امرؤ أحمق، أتجد في كتاب الله الظهر أربعًا لا يُجهر فيها بالقراءة؟ ثم عدَّد إليه الصلاة والزكاة ونحو هذا، ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله مفسرًا؟ إن كتاب الله أبهم هذا، وإن السنة تفسر ذلك. وقيل لمطرف بن عبد الله بن الشخير: لا تحدثونا إلا بالقرآن. فقال له مطرف: والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا".

وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: "وروى الأوزاعي عن حسان بن عطية، قال: كان الوحي ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك. قال الأوزاعي: الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب".

لأن في السنة أوامر تفصيلية يمكن العمل بها، تستطيع أن تصلي كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنت ما قرأت شيئًا في القرآن مما يخص الصلاة، لكن هل تستطيع أن تستقل بالقرآن وتصلي كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- امتثالاً لقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»؟

 أبدًا ما يمكن. فالكتاب أحوج إلى السنة؛ لأنها مبيِّنة، موضحة، مفسرة، من السنة إلى الكتاب؛ لأن البيان والتفصيل ما يحتاج إلى مزيد بيان وتفصيل، بينما المجمل يحتاج إلى مبين.

طالب: .......

يعني باعتبار أنها وحي تفسر الكتاب، النبي -عليه الصلاة والسلام- يفسر ويبين، هذه وظيفته: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44]، لكن هل يبينه باجتهاده أو بوحي من الله -جل وعلا-؟ معلوم أن جبريل واسطة بين الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، لكن في القرآن واضح، وأما في السنة فقد ينزل بالوحي عليه كما في بعض الوقائع التي حضرها الصحابة وشاهدوها، وسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض الأسئلة، وما بادر بالجواب ينتظر الوحي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: "قال ابن عبد البر: يريد أنها تقضي عليه، وتبين المراد منه. وسئل أحمد بن حنبل عن الحديث الذي روى أن السنة قاضية على الكتاب، فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكن أقول".

يعني من باب أن الإنسان يتأدب مع كلام الله -جل وعلا-، فلا يجسر أن يقول مثل هذا الكلام، وإن كان عند التفصيل وعند العمل يعني معناه ظاهر وواضح، والذي يقرأ في السنة نعم يحتاج إلى أضعاف أضعاف ما يحتاجه من يقرأ القرآن من الوقت والفهم وكذا؛ لأنه أمور تفصيلية ومطولة، وبدل أن يقرأ ما بين الدفتين ما يجيء حجمه، حجم القرآن ولا ربع صحيح البخاري، فضلاً عن الكتب الأخرى، فيها تفاصي،ل وفيها أشياء ودقائق وأمور كأنك ترى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، وكأنك تراه يصوم، وكأنك تراه يحج؛ لأن الإنسان قد يستغني بالسنة عن القرآن؛ لأن فيها أمورًا تفصيلية، لكن باعتباره كلام الله وما جاء في فضله وفضل تلاوته وفضل تدبره وترتيله وفضل وأن فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.

 يعني الكلام في مثل هذا فيه صعوبة وسوء، ولا نقول: قلة أدب مع القرآن، فلا ما يمكن أن يستغنى عن القرآن.

طالب: "فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكن أقول: إن السنة تفسر الكتاب، وتبينه. فهذا الوجه في التفصيل أقرب إلى المقصود، وأشهر في استعمال العلماء في هذا المعنى".

نقف على هذا.

 اللهم صل على محمد.

كم سمعنا ممن عاصرناه من يقوم أمام الناس في جمعة أو في عيد، ويدعي أنه عيسى ابن مريم، كثير هذا، لكن أكثرهم يكون في عقله خلل.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

الطالب من جديد يبدأ من الأول، يتدرج في طلب العلم، لكن أنت بالنسبة لك في أي مستوى؟ في أي صف؟

طالب: ثاني متوسط.

ثاني متوسط توّك على هذا.

طالب: .......

نعم، أنت تمشي، لكن لا بد أن تقرأ العلوم من أولها، ابدأ أول شيء بالأصول الثلاثة احفظها، وعليها شروح مسجلة اسمعها، تذهب للتسجيلات تقول: أنا أبغي شرح الأصول الثلاثة، يعطونك للشيخ ابن باز وغيره تسمع. ثم بعد ذلك الفوائد الأربعة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. ثم بعد ذلك- وفقك الله- كشف الشبهات وأدب المشي الكتب المختصرة. ثم بعد ذلك تتأهل لفهم هذا الكلام. أما الآن فيصير فيه صعوبة عليك في فهمه، والله يعينك ويوفقك.

طالب: آمين.

حفظك الله.

اللهم صلِّ وسلم على البشير النذير.