المتشابه في القرآن، واعتبار آيات الصفات منه

السؤال
ما المراد بالمتشابه الوارد في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}  [آل عمران: ٧]،  وهل آيات الصفات من المتشابه كما قرر ذلك في (روضة الناظر)؟
الجواب

المتشابه هو المتردد بين الحلال والحرام، كما جاء في حديث النعمان بن بشير –رضي الله عنهما-: «الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات» [مسلم: 1599] أو «متشابهات» [الدارمي: 2573]، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبين هاتين المرتبتين أمور مترددة لا يُدرى أهي من الحلال أو من الحرام، وهذا التشابه عند أهل العلم نسبي، منه ما يمكن معرفته بمزيد البحث، ولبعض أهل العلم دون بعض، ومنه ما لا يمكن معرفته، وهذا هو الذي ابتلى الله به الخلق، ليُنظر مدى إيمانهم وإذعانهم للأوامر والنواهي، فمَن في قلبه زيغ يتتبع هذا المتشابه، وعائشة -رضي الله عنها- تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» [البخاري: 4547]، ونجد بعض مَن يتصدر في بعض الوسائل هَمّه البحث عن هذه الأمور؛ ليوجد الاضطراب في أفهام عامة المسلمين، وتجده يَعمد إلى نصوص محتملة ويَترك النصوص الواضحة البينة، هؤلاء هم أهل الزيغ الذين سمى الله -جل وعلا- فاحذروهم.

هذه الأمور التي تتردد بين الحل والحرمة، كما جاء في الحديث: «وبينهما أمور مشتبهات» أو «متشابهات» «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه» يعني: على المسلم أن يترك ما تشابه عليه، حتى يَجزم أنه من الحلال أو من الحرام.

وقلنا: إن التشابه نسبي، قد يكون متشابهًا عند قومٍ دون آخرين، وقد يكون متشابهًا لشخصٍ واحد في وقتٍ دون آخر، فإذا زاد في بحث المسألة واستقصاها زال شيء من التشابه، فقد يكون عند الشخص في باب من الأبواب عشر مسائل اشتبهت عليه لا يستطيع الترجيح فيها، ثم مع مزيد البحث يستطيع الترجيح في واحدة، ثم في واحدة...وهكذا، ويبقى عنده مسألة أو مسألتان متشابهة عنده، استغلقت عليه.

فعلى كل حال مثل هذه الأمور لا يجوز فيها الترجيح بالتشهي، ولذا يقول أهل العلم: (من استحسن فقد شرّع)، فعلى الإنسان أن يكون معوّله على الدليل، فلا بد أن يُرجِّح بالدليل، ولا يُرجِّح بالتشهي؛ لئلا يكون من أهل الزيغ.

أما بالنسبة لآيات الصفات فإنه يُذكر عن الإمام مالك أنها من المتشابه، ولا يصح عنه أنها من المتشابه، وإنما هي من الواضح البيِّن، يقول: (الاستواء معلوم)، كيف يكون متشابهًا والاستواء معلوم؟! وهذا كلامه -رحمه الله-، (والكيف مجهول)، نعم الكيف ليس إلينا، (والسؤال عنه بدعة)، هذا ما قرره الإمام مالك، ومع ذلك يُقال: يَرى أن آيات الصفات من المتشابه!

وكذلك ما ذكره ابن قدامة وغيره لا يعني أن هذا الكلام -وإن نُسب إلى بعض أهل العلم- أنه صواب، بل آيات الصفات واضحة وبيِّنة، جاءت في الكتاب والسنة. نعم وقع نوع من التشابه عند مَن استصحب أصل الصفة في المُشاهد، وقال: إن الصفة التي جاءت بها النصوص مضافةً إلى الخالق قد لا يتصورها الإنسان إلا بالنسبة للمخلوق، فإذا وُجدتْ هذه النسبة بين الصفة المضافة إلى الخالق والصفة المضافة إلى المخلوق وُجد نوعٌ من التشابه، وقد عمد أهل الكلام إلى شيء سموه التنزيه، وهو في الحقيقة تعطيل وتركٌ للصفة، فما يتعلق بالخالق لائق به، والكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، فمَن الذي اطلعَ على شيء من الذات مما لم يُطْلع عليه من النصوص؟! لا يوجد أحد، هذا أمر غيبي لم نَطَّلِع على شيء منه إلا ما أُطلعنا عليه بواسطة نصوص الكتاب والسنة، وأهل العلم يُقررون أن الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، فالقدر الذي نَعرفه من ذاته -جل وعلا- على ما جاءنا مِن نصوص نَعرف منه القدر مما يتعلق بصفاته، وهو المعنى، أما الكيف فلا يُمكن أن نَطَّلِع عليه.