دخول مكة بدون إحرام

السؤال
ذهبنا إلى جدة في مهمة عمل، وعند العودة مررنا بمكة، فاقترح بعض الزملاء أن نصلي في الحرم، فهل يجوز دخول الحرم والصلاة فيه ونحن لم ننوِ العمرة؟ وفي هذه الحال هل يُمكن أن ننوي العمرة ونحن في مكة؟
الجواب

دخول مكة بدون إحرامٍ محلُ خلافٍ بين أهل العلم، والمُرجَّح أنه لا مانع من دخولها بغير إحرام لمن لم يُرد الحج أو العمرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما وقَّت المواقيت قال: «هنَّ لهنَّ» يعني هذه المواقيت لتلك الجهات «ولكل آتٍ أتى عليهن من غيرهم، ممن أراد الحج أو العمرة» [البخاري: 1845]، مفهومه أن مَن لم يُرد الحج ولا العمرة فإنه لا يلزمه الإحرام.

والقول الثاني -وهو معروف عند أهل العلم-: أنه لا يجوز الدخول إلا بإحرام، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل يومَ الفتحِ بغير إحرام هذا في الساعة التي أُحلَّت له -عليه الصلاة والسلام-، ولكن المُرجَّح أنه لا يَلزم الإحرام إلا مَن أراد الحج أو العمرة، ثم بعد ذلك إذا دخل من غير إحرامٍ إلى مكةَ ثم طرأَ له وأنْشأَ العمرةَ من مكة فإنه حينئذٍ يَخرج إلى أدنى الحل، ويحرم منه، ويأتي بالعمرة، هذا إذا لم يُنشئ العمرة إلا في مكة، وحينئذٍ يلزمه أن يَخرج إلى أدنى الحل، فيحرم بالعمرة ويأتي بها؛ ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبدَ الرحمن بن أبي بكر –رضي الله عنهما- أن يُعْمِر أختَه عائشةَ من التنعيم، ولذا لا يجوز أن يُحرم من أنشأ العمرة مِن مكة مِن داخلِ مكة، وإنما لا بد أن يخرج إلى الحل، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «حتى أهل مكة من مكة» [البخاري: 1845] المراد به في الحج، فيحرمون من مكة؛ لأنهم سوف يخرجون يوم عرفة إلى الحل حيث إن عرفة من الحل، وحينئذٍ يجمعون في إحرامهم بين الحلِّ والحرمِ، وأما بالنسبة للعمرة فلا بد مِن أن يَخرج مُنشِئُ العمرة من مكة إلى أدنى الحل، سواء كان التنعيم أو غيره من جهات الحل القريبة من مكة؛ ليجمع -كما قلنا- في إحرامه بين الحلِّ والحرمِ، ولو كان الإحرامُ من داخل الحرمِ كافيًا لمَا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبدَ الرحمن بن أبي بكر –رضي الله عنهما- أن يَخرج إلى التنعيم، وينتظره -عليه الصلاة والسلام- في ذهابه وإيابه، والمسلمون والصحابة معه -عليه الصلاة والسلام- ورضي الله عنهم وأرضاهم، مما يدل على أنه لا بد منه، لكن لو أحرم مِن داخلِ مكة لزمه دمٌ، كما لو تجاوز الميقات بدون إحرام، وعمرتُه حينئذٍ صحيحة.

أما إن كان متردِّدًا هل يعتمر أم لا، فإن كان التردُّد على حدٍّ سواء، يعني طرفي المسألة النقيض على حدٍّ سواء فهذا لا يلزمه شيء، وإن ترجَّح عنده أنه يعتمر، وأن الظروفَ سوف تواتيه ويَسنح له الأمر ويعتمر، فمادام يَغلب على ظنه أنه يعتمر فلا بد أن يَرجع إلى الميقات؛ لأن الأحكامَ مبنية على غلبة الظن، وإن كان التردد على حد سواء، أو كان الغالبُ على ظنِّه أنه لا يتمكن من العمرة، فإنه حينئذٍ يكون حكمُه حكم المكِّيِّ.