المفاضلة بين الاكتفاء بحفظ القرآن وبين حفظ غيره معه

السؤال
أنا شاب وعمري سبع عشرة سنة، وقد حبَّب الله إليَّ طلب العلم، وبدأتُ في حفظ كتاب الله -جل وعلا-، فهل أجمع معه غيره من المتون في العقيدة والفقه، أم أكتفي بالقرآن؟
الجواب

ذكرنا في مناسبات كثيرة أن المغاربة لهم طريقة في بداية التعلم تختلف عن طريقة المشارقة، فالمغاربة -كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته- يحرصون أن يحفظ طالب العلم القرآن قبل كل شيء، فإذا ضمن حفظ القرآن بدأ بالعلوم الأخرى. والمشارقة تختلف طريقتهم، بأن يحفظ ما يحتاج إليه من القرآن -المفصَّل مثلًا-، ويُدخِلون معه المتون العلمية في الفنون الأخرى، فيحفظون ما يمكن حفظه من كتاب الله -جل وعلا-، ويحفظون معه متنًا في العقيدة، ومتنًا في الفقه، ومتنًا في الحديث، ومتنًا في كذا، ومتونًا في علوم الآلة، ثم يتدرجون بعد هذا إلى المرحلة الثانية، فيضيفون مقدارًا من القرآن، ويضيفون إليه كتب الطبقة الثانية من طبقات المتعلمين، وهكذا، فما ينتهي من الطبقة الرابعة إلا وقد حفظ القرآن وحفظ المتون، لكن في تقديري أن طريقة المغاربة أفضل؛ لأن حفظ القرآن وضمان حفظ القرآن أولى، بحيث لا يعتريه بعد ذلك ما يعوقه عن إكمال الحفظ لكتاب الله -جل وعلا-، وعلى كل حال هذه طريقة وهذه طريقة، وفي كلٍّ خير، لكن أنا أرجِّح طريقة المغاربة في هذا.

وعلى كل حال هذه المسألة لها نظائر، منها ما يكثر السؤال عنه أن شخصًا –مثلًا- حفظ القرآن، وأراد أن يشرع في حفظ متون العلم المتعددة، فهل يحفظ هذه المتون واحدًا بعد الآخر، بعد أن ينتهي من الأول يشرع في الثاني، أو يحفظ المتون في آنٍ واحد، بأن يُخصِّص للعقيدة وقتًا، وللفقه وقتًا، وللنحو وقتًا، وللحديث وقتًا وهكذا، في يوم واحد يمشي على خمسة متون أو ستة يحفظ منها قدرًا يسيرًا، والطريقة الثانية أن يحفظ متنًا كاملًا في فن، ثم يعود إلى المتن الثاني وهكذا؟

وقلنا في مناسبات: إن هذا يختلف باختلاف الأشخاص، فمن الناس من يتشوَّش ذهنه إذا عدَّد المتون وقرأ في أكثر من فن، فمثل هذا يركِّز على فن واحد حتى يحفظه ويتقنه ويفهم شرحه، وبعد ذلك يبدأ بالفن الثاني، وأما الثاني الذي لا يتشوَّش ويكون من طبعه الملل والسآمة بحيث لو عكف على فنٍ واحدٍ ملَّ وأعطاه جزءًا يسيرًا من وقته ثم تركه، فمثل هذا ينوِّع، ولا شك أن الناس قدرات ومواهب، وهم في ذلك طرائق واتجاهات حسبما جُبل عليه الإنسان، والله أعلم.