صلاة الرجل مع والده الكبير الذي لا يصلي الظهر في المسجد

السؤال
والدي كبير في السن، ولا يصلي الظهر في المسجد، وباقي الفروض يصليها -ولله الحمد- في المسجد، والسؤال هو: هل يجوز لي أو لأخي أن نصلي معه الظهر في المنزل؛ لأنه يرغب في ذلك، أم نصلي في المسجد وهو يصلي وحده في البيت؟
الجواب

من المشاهَد في الأيام الأخيرة لا سيما في أوقات الإجازات تفريط كثير من الناس في صلاة الظهر، ينامون وهم يستصحبون ويستشعرون الحث على البَردَين، وعلى العشاء والصبح، والمغرب هم مستيقظون، فتجد التفريط غالبًا يكون في صلاة الظهر؛ لأنها ليس فيها نصوص خاصة على حدِّ زعمهم! لكنها من الفرائض الخمس التي يجب أن تؤدَّى في المساجد، فهذه لفتة لبعض الناس الذين يتساهلون في صلاة الظهر، لا سيما الذي لا يرتبط بعمل ولا دوام، فهم يفرِّطون فيها، ويقضونها إذا قاموا من النوم ولو لم يخرج وقتها، لكنهم يفرِّطون في صلاتها مع الجماعة في المساجد.

وهذا الوالد الكبير في السن الذي يصلي بقية الأوقات ما الذي يجعله يصلي الظهر في البيت ولا يصليها في المسجد؟ الذي يظهر أنه من هذا النوع إلا إذا كان الإشكال عنده في شدة الحر أو أنه يشق عليه الخروج بسبب -مثل ما ذكرنا- من شدة الحر أو البرد أو غيره، لكن الأوقات الأخرى تشترك معها في ذلك، لا سيما البرد قد يكون أشد في الأوقات الأخرى، فإذا كان معذورًا في صلاة الظهر فالأوقات الأخرى مثلها، إلا إذا كان عنده شيء يخصه بالنسبة لصلاة الظهر فهذا أمر يرجع إليه، والمعذور معذور عن صلاة الجماعة وعن الصلاة في المسجد، فإذا كان وضعه يصل إلى حد ما يُعذَر به فإنه لا تجب عليه الصلاة في المسجد، ولا يلزم أولاده أن يصلوا معه، بل عليهم أن يصلوا في المسجد مع الجماعة، ويصلي وحده أو ينتظر حتى يأتي أحد منهم فيتصدق عليه.

وبعض الناس لأدنى عذر يترك الصلاة في المسجد، ومسمى المرض والعذر يكفيه في ذلك، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه (باب حد المريض أن يشهد الجماعة) يعني الحد الذي يشهد به الجماعة، فيفهم منه الحد الذي يُعذر به في حضور الجماعة، وأورد الأحاديث عنه -عليه الصلاة والسلام- في مرضه، وأنه يتكلَّف المشقة مع المرض الشديد، ويكلِّف نفسه حضور الجماعة، وقد يعجز عن ذلك، ويحاول أكثر من مرة، مما يدل على أن الأمر ليس بالسهل، وبعض الناس إذا أُصيب بأدنى خلل في صحته أو تغيُّر فيها فإنه يَعذر نفسه، ومثل هذا في بقية الواجبات، تجده يفطر في رمضان لأدنى مرض ويقول: (الدين يسر)! ويترك الصلاة مع الجماعة لأدنى سبب ويقول: (الدين يسر)! الدين دين تكاليف، وحُفَّت الجنة بالمكاره، وهذا -نسأل الله العفو والعافية- مثله في الواجبات الأخرى كالدوام الواجب -مثلًا-، قد يترك الدوام لأدنى سبب ولأدنى عذر، ولكن هذا الباب من (صحيح البخاري) يجعلنا نحتاط ونهتم لإبراء الذمة، النبي -عليه الصلاة والسلام- مرارًا يحاول ويقوم ليصلي مع الجماعة ثم يعجز، ثم يتوضأ ثانية فيعجز، مما يدل على أن الأمر ليس من السهولة كما يتصوره كثير من الناس الآن، وكان الرجل من الصحابة -رضي الله عنهم- يُهادى بين رجلين حتى يوقَف في الصف، فعلى المسلم أن يحتاط لإبراء ذمته ويهتم بدينه لا سيما الصلاة التي هي عمود الدين، وكذلك بقية الواجبات، فعلينا أن نهتم بذلك، ونُعنى به، والأمر ليس فيه ضابط محدَّد للحد الذي يترك فيه الجماعة أو يفطر فيه في رمضان أو يترك فيه الدوام، ولذلك الناس بين طرفي نقيض، منهم مَن يُشدِّد على نفسه تشديدًا بالغًا بحيث يلحقه به الضرر، وقد يزيد مرضه وقد يتأخر برؤه بسبب ذلك، ومنهم مَن يترخَّص لأدنى سبب، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، والله أعلم.