قول الإمام أحمد: (لا يصح في هذا الباب شيء)، مع تصحيح بعض المتأخرين للحديث

السؤال
سائلٌ يسأل يقول: إذا قال الإمام أحمد –رحمه الله-: (لا يصح في هذا الباب شيء)، ووافقه غيره من الحُفاظ، ثم وجدنا من يُصحِّح هذا الحديث، فكيف نعمل؟
الجواب

إذا قال الإمام أحمد: (لا يصح في هذا الباب شيء)، الإمام أحمد من حُفاظ الأمة، ويحفظ مئات الألوف من الأحاديث، فإذا قال: (لا يصح في هذا الباب شيء)، وهو مِن أهل الحفظ الواسع فالغالب أن جانب الإصابة معه، لا سيما إذا وافقه غيره من الحُفاظ -كما جاء في السؤال-.

ثم إذا وُجِد من يُصحِّح هذا الحديث أو حديثًا في الباب فلا بُد من أن نحتاط وننظر في الحديث بدقة، فقد يكون سبب التصحيح لهذا الحديث من قِبل غير هؤلاء الحُفاظ اختلاف المنهج، فالأئمة على منهج، والمتأخرون قد يُصححون أحاديث، لكنْ مَرَدُّ ذلك إلى اختلاف الطريقة والمنهج في التصحيح والتضعيف من قِبل المتقدمين والمتأخرين.

 فقد يُوجد أحاديث في الباب يَحكم عليها المتقدمون بأنها ضعيفة؛ لأن راويها –مثلًا- لا يُحتمل تفرُّده وإن كان في الجملة مقبول الرواية، لكن لا يُحتمل تفرُّده فيُضعِّف حديثَه الأئمة، ويأتي من يأتي من المتأخرين ويقول: هذا الحديث لم يشتمل على مخالفة، أو فيه زيادة، وتكون هذه الزيادة من مقبول الرواية -صحيح الحديث أو حسن-. وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر: (وزيادة راويهما مقبولة)، يعني راوي الحديث الصحيح وراوي الحديث الحسن، وهذه الطريقة عند المتأخرين معروفة، بل بعضهم ينقل الاتفاق على قبول زيادات الثِّقات، لكنهم لم ينظروا إلى أن هذا الراوي الذي زاد هذه الزيادة أو تفرَّد بهذه الرواية من الذين لا يُحتمل تفرُّدهم، وتفرُّدُ من لا يَحتمل الأئمة تفرُّده أحدُ نوعي الشاذ، كما قرر ذلك العلماء في كتب علوم الحديث، والمسألة موضَّحة في (علوم الحديث) لابن الصلاح، فالذي ينظر في تصحيحات المتأخرين مما لم يُوجد له تصحيحٌ عند المتقدمين يجد مَرَدَّ ذلك إلى مثل هذا.

وعلى كل حال قد يقول قائل: إنه وُجِد من الطُّرق ما يرتقي به الحديث إلى الصحة مما لم يطَّلع عليه المتقدمون، وهذا لا شك أن له حظًّا من النظر، لكن يبقى أن الأصل في الباب الأئمة الكبار من الحُفاظ كأحمد وغيره. فنقول: هذه الرواية التي صحَّحها هذا المتأخر لا نتعجل في ردِّها، بل نتثبَّت فيها، فلعل هذا المتأخر أشار إلى روايةٍ وقف عليها في بعض الأجزاء والمشيخات، أو في بعض المسانيد التي لم يتداولها الناس بكثرة، أو بعض الكتب المغمورة، أو في بعض التواريخ التي تروي الأحاديث بالأسانيد كـ(تاريخ بغداد) أو (تاريخ ابن عساكر) أو غيرهما، فلعله وقف على هذا الطريق الذي يَجبر به ما قد يُوجد من خللٍ في أسانيد الحديث، فنحن لا نردُّها مباشرةً ولا نقبلها باعتبار أن الأصل في الباب الأئمة الكبار.

والاحتمال الثاني وهو: أن هذا المُصحِّح وقف على طريق جَبَر به الخلل ممكنٌ، لكن مثل هذا يُحتاط فيه، وطالب العلم عليه أن يتحرى في مثل هذا.

وبالنسبة لقولنا: (المتقدمون) و(المتأخرون) الحافظ الذهبي –رحمه الله- حدَّ المتقدمين بنهاية المائة الثالثة، وما بعد ذلك هم المتأخرون.