في قوله -جلَّ وعلا- في سورة سبأ: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8]، وفي (الفتاوى) لشيخ الإسلام ابن تيمية يقول -رحمه الله-: (وجود الجن ثابتٌ بكتاب الله وسُنَّة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها)، هذا في وجود الجن، فمن جحد وجود الجن يكفر بالإجماع؛ لأنه ثابت بالكتاب والسُّنَّة، يقول شيخ الإسلام-: (وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابتٌ باتفاق أئمة أهل السُّنَّة والجماعة، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]...وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن أقوامًا يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسانه. وهذا الذي قاله –الإمام- أمرٌ مشهور، فإنه يُصرع الرجل ويتكلم بلسان لا يُعرف معناه، ويُضرب على بدنه ضربًا عظيمًا لو ضُرِب به جملٌ لأثر به أثرًا عظيمًا، والمصروع مع هذا لا يُحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع وغير المصروع، ويجر البساط الذي يجلس عليه، ويحوِّل آلات، وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علمًا ضروريًّا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرِّك لهذه الأجسام جنسٌ آخر غير الإنسان).
فهذه الأمور المشاهدة تُفيد علمًا ضروريًّا؛ لأنها تُتلقى بالحاسة، والمشاهَدُ بالحواس علمٌ ضروري لا يحتاج إلى نظر ولا استدلال.
يقول شيخ الإسلام: (وليس في أئمة المسلمين مَن يُنكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومَن أنكر ذلك وادَّعى أن الشرع يُكذِّب ذلك، فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك).
وكأن مَن يقول بمنع دخول الجني في الإنسي ينحى منحى المعتزلة؛ لأنهم لهم قولٌ في ذلك، فهم لا يرون دخول الجني في الإنسي، ورأيتُ قديمًا في (أدب الدنيا والدين) للماوردي ما يجعله يميل إلى هذا القول، وهو يوافق المعتزلة في شيءٍ يسير من أقوالهم وإلا فهو محسوبٌ على أهل السُّنَّة في هذا الباب، والله أعلم.