معنى أن الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة

السؤال
سمعتُ في الحديث أن الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، فهل هذا حديثٌ صحيح؟ وكيف جاءت هذه النسبة؟ وهل ما يراه الإنسان الصالح يُعتبر حقًّا استنادًا إلى هذا الحديث؟
الجواب

في (صحيح البخاري) عن أبي سعيدٍ الخدري –رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة» [6989]، وفيه أيضًا –أعني: (البخاري)- من حديث عُبادة بن الصامت –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «رؤيا المؤمن جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة» [6987].

هذه النسبة من الأمور الغيبية التي لا يُدركها آحاد الناس إلا من أطلعه الله –جلَّ وعلا- عليها من الأنبياء أو من الملائكة، ففي (فتح الباري): (قال القاضي أبو بكر ابن العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي، وإنما القدر الذي أراده النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يبين أن الرؤيا جزءٌ من أجزاء النبوة في الجملة؛ لأن فيها اطلاعًا على الغيب من وجهٍ ما، وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة. وقال المازري: لا يلزم العالم أن يَعرف كل شيء جملةً وتفصيلًا، فقد جعل الله للعالم حدًّا يقف عنده، فمنه ما يَعلم المراد به جملةً وتفصيلًا، ومنه ما يَعلمه جملةً لا تفصيلًا، وهذا من هذا القبيل. وقد تكلَّم بعضهم على الرواية المشهورة وأبدى لها مناسبة، فنقل ابن بطال عن أبي سعيد السفاقسي أن بعض أهل العلم ذكر أن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر، ثم أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته، ونسبتها من الوحي في المنام جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا)؛ لأن حياته من بعثته إلى وفاته ثلاث وعشرون سنة، ونسبة الستة الأشهر التي هي نصف سنة بالنسبة إلى الثلاث والعشرين سنة: واحد على ستة وأربعين، فهي جزءٌ من ستَّةٍ وأربعين، كذا قيل، والله أعلم.

ولكن أولى ما يُقال في ذلك: إن هذا من الأمور التوقيفية التي لا نعلم حكمتها كأعداد الركعات والصلوات، ولا بأس أن يُستأنس بما قيل بالنسبة التي ذُكِرتْ من نسبة الوحي في الرؤيا إلى نسبة الوحي في اليقظة، ولكن كل هذا يحتاج إلى أدلةٍ توقيفية تدل بدقَّة على ما ذُكِر، وعلى كل حال التماس الحكمة والتوجيه لا بأس به، لكن لا يُجزم به إلا بدليلٍ قاطع.

والأصل في المسلم أن يقول: سمعنا وأطعنا، إذا أُمِر يأتَمِر، وإذا نُهي ينتهي، عَلِم الحكمةَ أو لم يعلم، هذا الأصل، وكونه يبحث عن الحكمة من باب: ولكن ليطمئن قلبي، أو ليُقنع غيره ممن يتردَّد في القبول أحيانًا من بعض المسلمين أو من غير المسلمين، فهذا أمرٌ طيب لا بأس به، والله أعلم.