المراد بقول الله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها}

السؤال
في قول الله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، هل المراد سؤال نفس الأبنية؟ وإن لم يكن كذلك فما معنى الآية؟
الجواب

في كُتب البلاغة يُمثِّلون بهذه الآية على المجاز بالحذف، وأن المراد (واسأل أهل القرية)، والذين لا يرون المجاز سواء كان المنع في النصوص أو في اللغة مطلقًا، وحجتهم في ذلك أن المجاز يجوز نفيه، وليس في القرآن ما يجوز نفيه، وحينئذٍ يكون المراد بالقرية ما يشمل الأبنية وساكنيها، وحينئذٍ تُسأل، فالساكنون يجيبون بلسان المقال، والأبنية تُجيب بلسان الحال.

يقول الطبري عن قول الله –جل وعلا- في الآية: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82]: (وإن كنتَ متَّهمًا لنا لا تُصدقنا على ما نقول: من أن ابنك سرق، فـ{اسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، وهي مصر، يقول: سَل مَن فيها من أهلها، {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}، وهي القافلة التي كنا فيها، التي أقبلنا منها معها، عن خبر ابنك، وحقيقة ما أخبرناك عنه من سَرَقِه).

وفي (فتح القدير) يقول في قوله –جلَّ وعلا-: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}: (هذا من تمام قول كبيرهم لهم، أي قولوا لأبيكم: {اسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: مصر، والمراد: أهلها، أي: اسأل أهل القرية، وقيل: هي قرية من قرى مصر نزلوا فيها وامتاروا منها، وقيل المعنى: واسأل القرية نفسها، وإن كانت جمادًا فإنك نبي الله، والله سبحانه سيُنطقها فتُجيبك، ومما يؤيد هذا أنه قال سيبويه: لا يجوز "كلِّم هندًا"، وأنت تُريد غلام هندٍ).

المقصود أن مَن يرى المجاز -ويكون هنا مجازًا بالحذف- لا إشكال عنده في التقدير، والذي لا يرى المجاز وعليه لوازم باطلة كما بيَّن ذلك الإمام ابن القيم في (الصواعق) وغيره من أهل العلم ممن لا يرون القول بالمجاز يقول: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}: القرية أعم من الأبنية، بل هي تعم الأبنية والساكنين، فيكون جواب السكان بلسان المقال، وجواب الجمادات من الأبنية وغيرها بلسان الحال، والله أعلم.