معنى: {قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين}

السؤال
أُحب تكرار سورة يوسف -عليه السلام-، وأتأثَّر كثيرًا لقراءتها، لكن هناك آية كلما قرأتُها لا أعرف معنى ألفاظها، فأرجو أن تفيدونني في ذلك، والآية هي قول الله -تبارك وتعالى-: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}؟
الجواب

{قَالُوا} أي: أولاد يعقوب -عليه السلام-، رقُّوا لحال أبيهم من كثرة وَجْده على يوسف -عليهما السلام-، فرقُّوا له وقالوا له على سبيل الرفق به والشفقة عليه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} يعني: لا تفتأ {تَذْكُرُ يُوسُفَ}، و(لا) مقدَّرة هنا، أي: لا تفارق تذكُّر يوسف، {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} أي: ضعيف الجسم ضعيف القوة حتى تقرب من الهلاك، {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف: 85] يقولون: إن استمر بك الحال على هذا خشينا عليك الهلاك والتلف. يقول الإمام الطبري في تفسيره: (يعني تعالى ذكره: قال ولد يعقوب الذين انصرفوا إليه من مصر له حين قال: {يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84]: تالله لا تزال تذكر يوسف،...يُقال منه: مَا فَتِئْتُ أَقُولُ ذَاكَ، وَمَا فَتَأْتُ لُغَة، أَفْتِئُ وَأَفْتَأُ فَتْئًا وَفُتُوءًا، وَحُكِيَ أَيْضًا مَا أَفْتَأْتُ بِهِ،...بمعنى ما زلتُ، وحُذفتْ (لا) من قوله: {تَفْتَأُ} وهي مرادة في الكلام؛ لأن اليمين إذا كان ما بعدها خبر لم يصحبها الجحد، ولم تسقط اللام التي يُجاب بها الأيمان، وذلك كقول القائل: والله لآتينك، وإذا كان ما بعدها مجحودًا تُلُقيتْ بـ(ما) أو بـ(لا)، -يعني: ابتدئتْ بـ(ما) أو بـ(لا)-، فلما عُرف موقعها حُذفتْ من الكلام)، يعني: يُحذف من الكلام ما يدل عليه بقية الكلام، بحيث لا يحصل إيهام عند السامع، فما كان معلومًا يجوز حذفه.

ويقول البغوي في تفسيره: ({قَالُوا} يعني: أولاد يعقوب {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي: لا تزال تذكر يوسف، لا تفتر من حبِّه، و(لا) محذوفة من قوله: {تَفْتَأُ}، يقال: ما فَتِئَ يفعل كذا، أي: ما زال،...{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} قال ابن عباس: دَفِنًا -وفي نسخة: دَنِفًا-، وقال مجاهد: الحَرَض: ما دون الموت، يعني: قريبًا من الموت، قال ابن إسحاق: فاسدًا لا عقل لك، والحَرَض: الذي فسد جسمه وعقله، وقيل: ذائبًا من الهم. ومعنى الآية: حتى تكون دَنِف الجسم مخبول العقل)، والله أعلم.