فضل الصدقة على المشاريع الخيرية والدعوية في الأوقات الفاضلة

السؤال
تعلمون –وفقكم الله- أن كثيرًا من المشاريع الخيرية والدعوية تُقام في رمضان، وكثيرٌ منها يحتاج إلى بذلٍ وإنفاق، ولكن في السنوات الأخيرة كثير من مكاتب الدعوة والجمعيات تُعاني من قِلَّة مصادر الدخل، وقِلَّة حصيلة الإنفاق والصدقات، فنود منكم أن تُذكِّروا الناس بفضل الصدقة لا سيما في الأوقات الفاضلة، وتحثوهم عليها، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب

يقول الله –جلَّ وعلا-: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، ويقول –جلَّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]، ويقول الله –عزَّ وجلَّ-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: 92] يعني: ولو قَلَّ، فلا يَحقر الإنسان النفقة في سبيل الله ولو قَلَّتْ، «ولو بشقِّ تمرة» كما جاء في الحديث الصحيح [البخاري: 1413]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] لا تكسد ولا تخسر، مضمونة عند الله –جلَّ وعلا-، هذه التجارة التي لا يعتريها ما يعتري تجارات الدنيا من خسارة، أو سرقة، أو غش، أو خداع، أو ما أشبه ذلك، يأخذها الله –جلَّ وعلا- بيمينه فيُربيها كما يُربي أحدكم فَلُوَّهُ، {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 30]، وقال –جلَّ وعلا-: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20].

وفي (البخاري) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر من السبعة «رجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [1423]، وفي روايةٍ لمسلم «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» [1031]، وبالمناسبة حكم كثيرٌ من أهل العلم على هذه الرواية بأنها مقلوبة، ولديَّ توجيه يرفع عنها القلب ولا سيما أنها من رواية الثِّقات العلماء الأثبات، فالإنسان قد يكون مُكثرًا من الصدقة، وفي أوقات وأماكن قد يحتاج إلى الإخفاء أكثر منه في وقت السعة، فتجده يجلس عنده الفقير من جهة اليمين فيُعطيه باليمين، ويجلس عنده الفقير من جهة الشمال فيُعطيه بيده الشمال؛ لئلا يعلم مَن عن يمينه، فهذا كله وارد، والحكم بالقلب يحتاج إلى انغلاق في التوجيه، فإذا أمكن التوجيه وتصحيح الروايات كلها عُمِل بها، وإلا فالأصل أن الإنفاق باليمين.

وفي (صحيح البخاري) عن أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «مَن تصدق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فَلُوَّهُ، حتى تكون مثل الجبل» [1410]، وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: «ما نقصتْ صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍّ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله» [2588]، وفي (صحيح مسلم) عن أبي مسعودٍ الأنصاري –رضي الله عنه-، قال: جاء رجلٌ بناقةٍ مخطومةٍ، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة» [1892].

والإنفاق في الدعوة لا شك أنه في غاية الأهمية، والحاجة إليه ماسة، وقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام- في (البخاري) وغيره من حديث سهل بن سعد –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– قال: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم» [2942].

ففضل الله واسع، والأجور عظيمة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] وأكثر من ذلك، وفضل الله لا يُحد، ووقفتُ على حديثٍ في (المسند) قديمًا وفيه كلامٌ لأهل العلم «إن الله ليُضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة» [7945]. فعلى الإنسان أن يبذل ويتصدَّق ولا يكلِّف نفسه، يبذل ما يستطيعه ويُطيقه حسب قدرته وطاقته، والله أعلم.