معنى كون ليلة القدر سلام مع ما يقع فيها من الشرور والسوء

السؤال
تمر ليلة القدر في أيام وشهور رمضان، والسؤال: ما معنى كون ليلة القدر {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} مع ما يقع في العالم من الحروب والحوادث والكوارث والمشاجرات والخسائر والسرقات والقتل وغيرها؟
الجواب

هذه الحوادث والكوارث التي تحصل لا تنافي كون ليلة القدر سلام، ولا تنافي كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- والإسلام رحمة للعالمين، ومن باب أولى لمن اعتنقه من المسلمين، فقد يُسلِم المرء ويصيبه ما يصيبه، ويكون في ليلة القدر ما يكون من الشرور على بعض الناس، وعلى كل حال مثل هذه الحِكم الإلهية التدخُّل فيها من قِبِل البشر اعتراض على القضاء والقدر، وسمعنا من يقول: (كيف يخلق الله إنسانًا ثم يقضي عليه بالشقاء في حياته كلها؟ أو يخلقه فيولد ثم يموت فورًا، ما الحكمة في ذلك؟)، الاعتراض على الحكمة الإلهية لا شك أنه خللٌ في الدين ونقصٌ في العقل، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].

يقول في (تفسير البغوي): ({سَلامٌ} قال: عطاء: يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته، وقال الشعبي: هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر،...وقيل: تمَّ الكلام عند قوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4]، ثم ابتدأ فقال: {سَلامٌ هِيَ} أي: ليلة القدر سلام وخير كلها، ليس فيها شر، قال الضحاك: لا يُقدِّر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة، وقال مجاهد: يعني: أن ليلة القدر سالمةٌ لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا، ولا أن يُحدث فيها أذى، {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5]، أي: إلى مطلع الفجر).

وكونه يُقدَّر على بعض الناس بعض ما ظاهره الشر وما ظاهره السوء هو في حقيقته عند الله -جل وعلا- موافق لحكمته وما يختاره لعبده، فإن كان مطيعًا كان ذلك رفعة في درجاته وتعظيمًا لأجره، وإن كان عاصيًا فهو تكفيرٌ لسيئاته. والنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أفضل الخلق وأكرمهم على الله، كان يُوعَك كما يُوعَك الرجلان منا، فابن مسعود –رضي الله عنه- يقول: إنك لتوعَك وعكًا شديدًا؟ قال: «أجل، إني أُوعَك كما يُوعَك رجلان منكم» قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: «أجل» [البخاري: 5647]، فبهذا تعظم الأجور للمسلمين مع الرضا والتسليم والصبر والاحتساب، فيكون خيرًا، «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير،... إن أصابتْه سراء شَكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء صَبَر، فكان خيرًا له» [مسلم: 2999]، والله أعلم.