المراد بالسؤال في قول الله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سُئل موسى من قبل}

السؤال
كنتُ أقرأ في رمضان وأحاول أن أتدبر القرآن، وأشكل عليَّ المراد بالسؤال في قوله تعالى في سورة البقرة: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ}، فما الأمر المسؤول عنه في كلا الأُمَّتيْن؟ ومَن السائل في كليهما؟
الجواب

المفسرون يذكرون في سبب نزول الآية أنها نزلت في اليهود حين قالوا: يا محمد ائتنا بكتابٍ من السماء جملةً كما أتى موسى بالتوراة، فقال تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ} أي: أتريدون، فالميم صِلة، وقيل: بل تُريدون {أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} محمدًا –صلى الله عليه وسلم- {كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 108]، سأله قومه أرنا الله جهرة، وقيل: إنهم سألوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالوا: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلًا، كما أن موسى سأله قومه فقالوا: أرِنا الله جهرة، ففيه منْعُهم عن السؤالات المقبوحة بعد ظهور الدلائل والبراهين.

وفي (تفسير الحافظ ابن كثير) –رحمه الله-: (نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن كثرة سؤال النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الأشياء قبل كونها، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة:101]، أي: وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تُبيَّن لكم، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه، فلعلَّه أن يُحرَّم من أجل تلك المسألة،... وقوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} أي: بل تُريدون، أو هي على بابها في الاستفهام، وهو إنكاري، وهو يَعم المؤمنين والكافرين، فإنه –عليه السلام- رسولُ الله إلى الجميع، كما قال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} [النساء: 153]).

المقصود أن السؤال والتعنُّت فيه، والسؤال عن الشيء قبل نزوله من غير حاجةٍ داعيةٍ أو ماسةٍ إلى ذلك فإنه منهيٌّ عنه {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، وكثيرٌ من الناس يُنبِّش عن أمور ليس بحاجةٍ إليها، ثم بعد ذلك إذا جاءه الجواب كما فعل اليهود حينما سألوا موسى -عليه السلام- عن البقرة واستفصلوا وتعنَّتوا في ذلك، ثم شُدِّد عليهم بسبب ذلك، والله أعلم.