معنى الهداية في قول الله تعالى: {وأما ثمود فهديناهم}

السؤال
في قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17] ما معنى هدايتهم في قوله: {فَهَدَيْنَاهُمْ}؟ ولماذا ميَّزهم الله بذلك عن جميع الأمم؟
الجواب

{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} الهداية تنقسم إلى قسمين:

- هداية دلالة وإرشاد.

- وهداية توفيق وقبول.

والله –جلَّ وعلا- هدى الخلق، قال –جلَّ وعلا-: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 3]، وقال -جلَّ من قائل-: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10] يعني: دللناه وأرشدناه على ما ينفعه في دينه ودنياه، فإن اختار هذه الهداية ممن كُتِبتْ له السعادة فقد اهتدى، ومَن أعرض عنها بعد أن هُدي ولم يهتدِ فالَّلوم عليه، والله –جلَّ وعلا- أقام عليه الحُجة. فهناك هداية دلالةٍ وإرشاد، وهذه حصلتْ للخلق كلهم، وهناك دلالة التوفيق والقبول، وإنما هي لمن أراد الله سعادته.

والهداية جاء إثباتها وجاء نفيها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] يعني: تدل الناس عليه، وحصل ذلك من تبليغه الرسالة لمن بُعِث إليهم، وهناك هداية منفيَّة عنه –عليه الصلاة والسلام- كما في قوله –جلَّ وعلا-: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، وهذه هداية توفيقٍ وقبول لا يملكها النبي –عليه الصلاة والسلام-، وإنما هي بيد الله -جلَّ وعلا-.

في (صحيح البخاري) في قوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} يعني: (دللناهم على الخير والشر، كقوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}، وكقوله: {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}، والهُدى هو الإرشاد) [6/127]، بمنزلة الدلالة والبيان.

وفي (تفسير الحافظ ابن كثير) –رحمه الله- في قوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}: (قال ابن عباس، وأبو العالية، وسعيد بن جُبير، وقتادة، والسُّدي، وابن زيد: بيَّنا لهم. وقال الثوري: دعوناهم. {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أي: بصَّرناهم وبيَّنا لهم ووضَّحنا لهم الحق على لسان نبيهم صالح –صلى الله عليه وسلم-، فخالفوه وكذَّبوه، وعقروا ناقة الله التي جعلها آيةً وعلامةً على صدق نبيهم).

أما قول السائل: (لماذا ميَّزهم الله بذلك عن جميع الأمم؟)، يعني: هديناهم هداية إرشادٍ برسولنا إليهم وتأييده بآية الناقة التي أخرجها لهم، فرأوها وحسُّوا بها، وقامت الحُجة عليهم بأبهى صورها بهذه الناقة التي تُقاسمهم الماء ويشربون من لبنها، هذه آية ما يُنكرها إلا مُكابر؛ لأنها آية محسوسة وعظيمة، ثم بعد ذلك استحبوا العمى على الهدى؟! قد يكون غيرهم جاءه البيان الواضح الذي لا عذر لأحدٍ معه من جميع الأمم، لكن هذه آية تُخالطهم ورأوها بأعينهم، ثم بعد ذلك كذَّبوا واعتدوا عليها فقتلوها! ولذلك نُصَّ عليهم أنهم {اسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}، وميَّزهم الله بذلك عن جميع الأمم؛ لظهور هذه الآية ووضوحها أكثر من غيرها، وإلا فالآيات كلها واضحة وظاهرة، «ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطي ما مثله آمن عليه البشر» [البخاري: 4981]، يعني: لا حجة لأحدٍ من الخَلق على الله -جلَّ وعلا-، والله المستعان.