إقامة صلاة الكسوف بعد العصر

السؤال
إذا كسفت الشمس بعد العصر، فهل تجوز إقامة صلاة الكسوف؟
الجواب

عامة أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك، وإن كان أبو عوانة في صحيحه يقول: (باب وجوب صلاة الكسوف) [2/ 92]، وتبعًا لهذا إذا قلنا: إنها سنة، فيَرِد فيها الخلاف في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وإذا قلنا: إنها واجبة، فلا يرد الخلاف؛ لأن الخلاف في النوافل لا في الواجبات، وعلى كل حال هي ذات سبب.

وعندي أن الشمس إذا كسفت وهي حيَّة بيضاء نقيَّة، فإن صلاة الكسوف تكون كغيرها من ذوات الأسباب، فتُفعل في هذه الأوقات، أما إذا اصفرَّت الشمس وتضيَّفتْ للغروب، فلا يُصلى حينئذٍ أي تطوع من التطوعات؛ لأنها حينئذٍ تغرب بين قرني شيطان. وقل مثل هذا في الأوقات المضيَّقة الأخرى: عند طلوع الشمس، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، فهذه الثلاثة الأوقات المضيَّقة لا يُفعل فيها شيء من التطوعات، ولو كان ذا سبب؛ لأنها مقصودة لذاتها، وفي حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهنَّ، أو أن نقبر فيهنَّ موتانا" [مسلم: 831]، وأما الوقتان الموسَّعان، فالنهي عن الصلاة فيهما من باب النهي عن الوسائل؛ لئلا يسترسل الإنسان في الصلاة فيتطوع إلى أن يدخل الوقت المضيَّق.

والجمهور على أنه لا يُصلى في هذه الأوقات شيء من التطوعات، ولو كانت ذات سبب، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية والحنابلة، أما الشافعية فيقولون بأن ذوات الأسباب تُفعل في أوقات النهي، وهو الذي يرجِّحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، ويُفتي به مَن يُفتي من المعاصرين بناءً على أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدَّم على العام، لكن للطرف الثاني أن يقول عكس ما قاله هؤلاء، بأن يقولوا: أحاديث ذوات الأسباب عامة، وأحاديث النهي خاصة، والخاص مقدَّم على العام، وليست دعوى الطرف الأول بأقوى من دعوى الطرف الثاني، فالعموم والخصوص وجهيٌّ لا مطلق، بمعنى أن أحاديث النهي عامة في الصلوات خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة في الصلوات عامة في الأوقات، عكس أحاديث النهي، ولذا الدعوى متقابلة، والمسألة من عُضَل المسائل، والترجيح فيها مما تضيق به الأنظار، حتى قال بعض أهل العلم: إن الإنسان إذا أراد دخول المسجد في وقت النهي: إما ألَّا يدخل المسجد، وإما أن يستمر واقفًا إن دخل؛ لأنه إن جلس خالف «فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» [البخاري: 444]، وإن صلى خالف «لا صلاة بعد الصبح ...، ولا صلاة بعد العصر» [البخاري: 586]، و"ثلاث ساعات"...إلى آخره، فيقع في الحرج العظيم، وعلى كل حال فالمرجَّح أنه في الأوقات الموسَّعة إن شاء أن يصلي فلا حرج عليه، وأما في الأوقات الثلاثة المضيَّقة فلا.

والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حينما ترجَّم (باب الطواف بعد الصبح والعصر) [2/155]، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، مما يدل على أنه لا يرى الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وإذا طاف فإنه لا يصلي حتى يخرج وقت النهي، وأردف الترجمة بقوله: (وطاف عمر بعد صلاة الصبح، فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى)، يعني: بعد أن خرج وقت النهي، ولا مانع أن يطوف الإنسان بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، لكن إذا ضاق الوقت يؤجِّل الصلاة حتى تغيب الشمس أو ترتفع، وجاء عن جابر -رضي الله عنه:- "لم نكن نطوف بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب" [مسند أحمد: 15232]، لكن الطواف معروف أنه لم يَرد فيه نهي، وإنما جاء فيه النهي عن منع الطواف في أية ساعة شاء المسلم من ليلٍ أو نهارٍ [أبو داود: 1894]، وأما بالنسبة للصلاة فتبقى على أصلها في النهي، لا سيما إذا ضاق الوقت.