معنى الإرادة كما ذكرها الكرماني في (الكواكب الدراري)

السؤال
قال الكرماني -رحمه الله- في كتاب العلم في باب (مَن يُرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدين) قال عن الإرادة: (وهي عند الجمهور صفة مُخصِّصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع، وقيل: إنها اعتقاد النفع أو الضرر، وقيل: هي مَيل يتبعه الاعتقاد، وهذا لا يصح في الإرادة القديمة)، لم أفهم معنى الإرادة كما قال، وهل أول عبارة قالها صحيحة؟ وهل يكفي في الردِّ أن أقول: إن الإرادة صفة ثابتة لله، تليق بجلاله، بدون تكييف ولا تحريف، ولا تمثيل ولا تشبيه، وأن الإرادة نوعان: إرادة كونيَّة، وإرادة شرعيَّة؟
الجواب

قوله: (لأحد طرفي المقدور بالوقوع) يعني: الممكن، فهي مُرجِّحة لأحد الأمرين الممكنين، فإذا كان الطريق الموصِل إلى هذا المكان -مثلًا- له شقان، طريق إلى جهة اليمين، وطريق إلى جهة الشمال، وكلاهما موصِل، لكن الطريق الذي على جهة الشمال أقرب، فتخصيصي لهذا الطريق الأقرب هذه إرادة، لكن لو افترضنا أن الطريقين الموصلين إلى هذا المكان على حدٍّ سواء، فكيف نُرجِّح؟ وكيف نُريد؟ لا بد أن نُرجِّح بمرجِّح يحملنا على الإرادة، فالإرادة ترجيح أحد الأمرين على الآخر، فإذا افترضنا أنهما على حدٍّ سواء في القرب والبعد من الهدف المقصود، فحينئذٍ نُرجِّح باليمين، فنأخذ طريق اليمين؛ لأن اليمين مفضَّل في الشرع على جهة العموم، هذا القول الأول، وهذا بالنسبة لإرادة المخلوق.

(وقيل: إنها اعتقاد النفع أو الضرر)، وليس المراد بها نفس الاعتقاد، إنما المراد بها العمل الموافق لهذا الاعتقاد، فإذا اعتقدنا النفع فعلْنا، وإذا اعتقدنا الضرر كففْنا، وكل منهما إرادة.

(وقيل: هي مَيل يتبعه الاعتقاد، وهذا لا يصح في الإرادة القديمة)، يعني: إرادة الله -جل وعلا-، ويرون أن الصفات الإلهية كلها قديمة، بما في ذلك الكلام، وهذا مذهب الأشعرية، فعندهم أن الصفات قديمة، وأنه سبحانه تكلَّم في الأزل، ولا يتكلَّم، وأراد في الأزل، ولا يُريد...إلى آخر الصفات، والصواب أن كلامه -جل وعلا- قديم النوع، لكنه مُتجدِّد الآحاد، يتكلَّم -جل وعلا- إذا شاء، متى شاء، وكيف شاء، فصفاته الفعلية مُتجدِّدة، وأما الصفات الذاتية فهي قديمة، وهذا الذي دعاه إلى قول: (وهذا لا يصح في الإرادة القديمة)؛ لأن هذا شيء يتجدَّد، وهم لا يرون أن الصفات الإلهية مُتجدِّدة؛ لأن التجدُّد يدل على الحدوث، والله -جل وعلا- منزَّه عن حلول الحوادث...إلى آخر ما قالوا.

(وهل أول عبارة قالها صحيحة؟)، بالنسبة لإرادة المخلوق مرادة نعم.

(وهل يكفي في الردِّ أن أقول: إن الإرادة صفة ثابتة لله، تليق بجلاله، بدون تكييف ولا تحريف، ولا تمثيل ولا تشبيه، وأن الإرادة نوعان: إرادة كونيَّة، وإرادة شرعيَّة؟)، نعم، هذه القاعدة مطَّردة في جميع الصفات، أن نُثبت لله -جل وعلا- جميع ما أثبته لنفسه من غير تحريف ولا تكييف، ولا تشبيه ولا تمثيل...إلى آخره، على أن نعتقد أن لها معانيَ تليق بالله -جل وعلا-، لكننا لا نعرف كيفيتها، فالمعاني معروفة، وليست بألغاز ولا متشابه، بل هي من المحكم، ولذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول)، فالمعنى معروف، لكن التكييف الذي لا يُدركه الإنسان بعقله مجهول، ومَن دخل فيما لا يُدركه فمآله إلى الضلال، كما ضلَّ بسبب ذلك جميع طوائف البدع، فمنهم من شَبَّه أولًا، ثمَّ عطَّل، ومنهم مَن عكس.