السعي الشديد في المسعى مع انتفاء علَّته

السؤال
عندما سعى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المسعى بين الميلين قال: «لا يُقطع الوادي إلا شدًّا» [النسائي: 2980]، فهل السعي الشديد بينهما الآن وقد انتفت العلة يكون سنة؟
الجواب

من الأحكام ما يُشرع لعلَّة، ثم ترتفع العلَّة ويبقى الحكم، فالرَّمَل في الطواف سببه مقالة المشركين: "إنه يَقدم عليكم وفدٌ وهنهم حُمَّى يثرب" [البخاري: 1602]، وكان هذا في عمرة القضاء، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالرَّمَل، ورَمَل، وفي تلك العمرة مشى بين الركنين، وفي حَجَّة الوداع رَمَل من الركن إلى الركن [مسلم: 1262 - 1263]، فاستوعب الأشواط الثلاثة بالرَّمَل، مع أنه لا يوجد من يقول تلك المقالة التي هي السبب والعلَّة في الرَّمَل، فانتفت العلَّة وبقي الحكم.

وفي قوله- جل وعلا-: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101]، ارتفع الخوف، وبقي القصر مشروعًا.

وكذلك السعي الشديد في المسعى، يبقى سنَّة إلى قيام الساعة، ولو ارتفعتْ علَّته بأن لم يكن المكان بطنًا منخفضًا. والعلة الأصلية في ذلك هي سعي أم إسماعيل هاجَر، فإذا نزلتْ في بطن الوادي أسرعتْ شديدًا؛ لأنها لا تَرى ولا تُرى، فإذا ارتفعتْ بحيث تَرى وتُرى خفَّفت المشي؛ لأنه لا داعي للسرعة، فهذا هو أصل السعي.

وإذا كان أصله ما حصل من أم إسماعيل، فهل المرأة تسعى شديدًا، أو لا تسعى شديدًا؟ فالسبب امرأة، والعلماء يُقرِّرون أن دخول السبب في النص قطعي، فهي داخلة في النص، فهل نقول: إن المرأة تسعى؛ لأنها هي السبب في الحكم، فهي أولى من غيرها، أو نقول: إن السعي خاص بالرجال؟

العلماء يقولون: إن المرأة لا تسعى شديدًا؛ خشية أن ينكشف شيء منها، وسعى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسعى معه أصحابه -رضي الله عنهم-، والمرأة تُمنع من ذلك. لكن ماذا نعمل بقولهم: إن دخول السبب في النص قطعي؟

أولًا: حينما سعتْ، ما الداعي لهذا السعي؟ لإنقاذ ولدها من الهَلَكة، وعلى هذا إذا وُجِد هذا السبب وسعت المرأة سعيًا شديدًا، ولو في غير المسعى، هل تُلام أو ما تُلام؟ وإذا تبعها سبُع وخافتْ على نفسها، هل نقول: لا تسعى ولا تُسرع في الجريان؛ لئلا ينكشف منها شيء؟ لا، إذن سعيها لا على طريق التعبُّد، وإنما هو لإنقاذٍ من هَلَكة، فإذا وقعتْ في هَلَكةٍ عارضتْ مصلحة الستر، والستر مطلوب بلا شك، وهو الأصل، لكن إذا عارضه ظرف طارئ، إما سبُع من سباع البهائم، أو حتى من سباع البشر -وهو أشدُّ-، فأرادتْ أن تَفرَّ بدينها وبعرضها وبدمها من هذا السبُع، فهذا أمر مطلوب، بل قد يتعيَّن عليها أن تُسرع، ولو بدا شيء من قدمها أو من ساقها بسبب هذا السعي.

المقصود أن سعي أم إسماعيل وإسراعها في هذا المكان إنما هو لإنقاذ ولدها من هَلَكة العطش، وإذا حصل للمرأة مثل هذا الظرف فإن لها أن تسعى، أما إذا لم يحصل فإن الأصل ألَّا تسعى؛ لأنه يسبب انكشاف شيء من عورتها، لا سيما في المسعى الذي يحضره الرجال الأجانب.