المُعْتَبَر في فهم الدليل

السؤال
هل العبرة في فهم الدليل فهمُ العالم أم النصوص المؤيدة لظاهر النص؟
الجواب

لا شك أن النصوص فيها المجمل وفيها المبيِّن، فإذا جاء النص مجملاً وجاء بيانه في نص آخر تعيّن حمله عليه، كما أنه إذا جاء عامًّا وجاء تخصيصه في نص آخر تعيّن حمله عليه، وقل مثل هذا في الإطلاق والتقييد، فإذا وجد كلام يحتاج إلى تفسير وشرح وإيضاح وجاء إيضاحه في نص آخر من كتاب أو سنة تعيّن القول به، فأولى ما يُفسر به كلامُ الله كلامُ الله، ثم كلام نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وإذا لم نجد من كلام الله ما يفسر كلامَه في هذا الموضع فإننا حينئذٍ نرجع إلى ما ورد في السنة مما يبينه ويوضحه، وإذا لم نجد من ذلك شيئًا فإننا نرجع في ذلك إلى فهم السلف من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم.

وأما الفهم المجرد للعالم فلا بد له من مستند، والعالمُ الذي له خبرة بالنصوص ودربة ومعرفة بموارد الشريعة ومصادرها وقواعدها العامة فهذا فهمه لا شك أنه صائب غالبًا فيُعتمد، أما بعض من يدعي الفهم وليس له علاقة بفهم النصوص ولا بمعاناتها فمثل هذا لا يلتفت إليه، وبعض من يتصدى لتوجيه الناس في وسائل الإعلام تجده يفسِّر النصوص ويتكلم فيها ويبين معانيها وليست له أدنى علاقة بما كُتب حولها من سلف هذه الأمة وأئمتها، فمثل هذا لا شك أنه من الرؤساء الجهَّال الذين يتخذهم الناس في آخر الزمان فيَضِلُّون ويُضِلُّون، ولذلك أمثلة كثيرة ليس هذا موضع بسطها، لكن لا شك أن مثل هذا الكلام خطير، فالكلام في القرآن بالرأي جاء الوعيد الشديد عليه «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» [الترمذي: 2951]، وقل مثل هذا في السنة، فالإمام أحمد وهو الإمام أحمد لما سُئل عن بعض ألفاظ الحديث قال: (سلوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالظن)، وهذا من ورع الإمام أحمد وإلا فعنده من المخزون من سنته -عليه الصلاة والسلام- ما يؤهله إلى الكلام في غريب الحديث، وابن الصلاح يقول: إن الكلام في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيان معانيه جدير بالتحري حري بالتوقي، والأصمعي -وهو يحفظ من القصائد في الشعر العربي ألوفًا مؤلفة وبعضها يصل أبياتها إلى المئين- يُسئل عن (الصقب) في حديث «الجار أحق بصقبه» [البخاري: 6977]، فيقول: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن العرب تزعم أن الصقب اللزيق. وتجد بعض أنصاف المتعلمين وبعض المثقفين يجرؤ على الآية وفيها لأهل العلم أقوال متعددة قد تصل العشرة، فيأتي بقول ولا يُعرِّج ولا على واحد من أقوالهم، بل يبتكر شيئًا لم يسبق إليه، وقل مثل هذا في فهم السنة. نعم القرآن والسنة بلغة العرب، لكن لا شك أن الناس طرأ عليهم ما يُغير فطرهم وأفهامهم؛ لأنهم اختلطوا بغيرهم، وأيضًا دخلتهم بعض الأهواء، ودخلهم بعض الاصطلاحات من الفنون الأخرى المخالفة لاصطلاحات الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة.