دفع الفتوى التي لم تقع، ومدى كون نقل الفتوى من القول على الله بغير علم

السؤال
يا فضيلة الشيخ، ورد عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- قولهم إذا سُئلوا في أمر: (أوقع هذا؟)، فإن وقع حدَّثوا فيه بما يعلمون، وإن لم يقع قالوا: (دعوه حتى يقع)، فهل يدخل هذا في ترك ما لا يعني؟ وما حكم الاشتغال بمعرفة أحكام ما لا يتعلَّق بالذمة، أو ما لم يقع؟ وهل يُعتبر ناقل الفتوى من القائل على الله بغير علم؟
الجواب

أما ما عُرف عن السلف الصالح من الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين من تدافعهم الفتوى؛ لعلمهم بخطرها، وعظم شأنها، فالمفتي موقِّع عن الله -جل وعلا-، فإذا وُجد مَن يَنوء بها ويقوم بها ويُسقِط الواجب، فعلى الإنسان أن يدفعها، ومِن وجوه الدفع أن يُسأل السائل إذا كان السؤال لا فائدة عمليَّة من ورائه: (هل وقع، أم لم يقع)، وهذا وجه من وجوه الدفع، أما إذا كان السائل من طلاب العلم، ويريد أن يعرف هذه المسألة، وما تفرَّعتْ عنه، ويقيس عليها نظائرها، كما وُجد من العلماء الأئمة المتبوعين في كتبهم وكتب أتباعهم من تفريع المسائل وتشقيقها؛ لتمرين الطلاب عليها، فهذا لا بأس به، والحاجة داعية إليه، لكن إذا عُرف من السائل أنه لا يستفيد من هذا السؤال، فيُصرف عنه بما هو أهم منه، فإذا سأل شخص عن أمر لا يحتاجه، أُجيب بما يحتاج إليه بقدر الإمكان، وهذا يسمونه: الأسلوب الحكيم، وقد سأل طفل في المرحلة الثالثة الابتدائية أحدَ الشيوخ وقال: (ما حكم حلق شعر الصدر؟)، وهو طفل لم ينبت له شعر بعد، فقال الشيخ: (هذا السؤال لا ينفعك ولا يفيدك، فاسأل عما يفيدك)، فمثل هذا السؤال تعرف أنه ليس واقعة نازلة لا يجوز كتم العلم فيها، فهذا كتمه فيه مندوحة، فكون الإنسان يُصرَف عن سؤاله إلى ما هو أهم منه، لا سيما إذا ظهر من السائل أنه لا علاقة له بالسؤال، أو لا يعنيه السؤال، كالعامي من آحاد الناس يسأل في مسائل عمليَّة كبرى، قد يكون فيها مصير للأمة بكاملها، فيُصرف عن سؤاله، وهذا السؤال إنما هو لشخصٍ له دور، وله أثر إذا عَرف الجواب.

والسؤال الذي لا يعني الشخصَ يدخل دخولًا أوليًّا في حديث: «مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ ترْكُه ما لا يعنيه» [الترمذي: 2317]، فقد يُجاب بعضُ الناس إذا سأل بعضَ الأسئلة أن يقال له: «مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ ترْكُه ما لا يعنيه»؛ لأن هذا الأمر لا يعنيه.

أما ناقل الفتوى، فإذا كان المفتي الأول ممن تبرأ الذمة بقوله، فناقل الفتوى مأجورٌ مُشيعٌ للخير، أما إذا كانت الفتوى ممن لا تبرأ الذمة به، أو مما هو من زلَّات العلماء، فهذا لا شك أنه إشاعة لمثل هذه الزلَّات، ولا يجوز.