نوع النهي في حديث: «لا يُمسكنَّ أحدُكم ذَكرَه بيمينه وهو يبول»

السؤال
هل النهي للتحريم في حديث: «لا يُمسكنَّ أحدُكم ذَكرَه بيمينه وهو يبول» [البخاري: 153 / ومسلم: 267]؟
الجواب

أهل العلم يقرِّرون أن الأصل في النهي التحريم، ونجد أكثر أهل العلم في مثل هذا يصرفونه إلى الكراهة، ويقولون: لأنه من باب الأدب. ولا نجد مَن يُنقل قوله بالتحريم في مثل هذا إلا الظاهريَّة. وذكرنا مرارًا مسألة الاعتداد برأي الظاهريَّة: هل يُعتدُّ بهم، أو لا عبرة بقولهم، فيُنقل الإجماع مع مخالفتهم. هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، ونصَّ النووي -رحمه الله- وغيره في مواضع من كتبه على أنه لا يُعتدُّ بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، ومن أهل العلم مَن يقول: يُعتدُّ بهم لا سيما أئمتهم، فهم علماء، وعنايتهم بالنصوص معروفة، وتفوق كثيرًا من المذاهب. نعم إذا كان المعتمَد والمعوَّل في المسألة على اجتهاد، أو قياس، أو رأي، أو نظر، فقد يتَّجه القول بعدم الاعتداد بهم، وأما إذا كان عمدة المسألة دليلًا صحيحًا صريحًا، فلا مانع من الاعتداد بقولهم ماداموا من المسلمين، ومن علماء المسلمين، وأصولُهم أصولُ المسلمين، وإن كانوا يخالفون في بعض الأصول كالقياس، وهذا رأي وسط، وهو الاعتداد بهم فيما عدا ما عمدته الاجتهاد والقياس من المسائل. وأهل العلم يُطلقون ويقولون: لا يُعتدُّ بهم، ومنهم مَن يقول: يُعتدُّ بهم، من غير تفصيل. وفي تقديري أن هذا التفصيل لا بد منه، مع أنه قد يقول قائل: إنه لا بد أن يوجد خلاف في المسائل الاجتهادية، أما المسائل القطعيَّة المتَّفق عليها التي يُتصوَّر فيها مخالفة الظاهريَّة، فلا بد فيها من دليل؛ لأنه لا ينعقد الإجماع إلا بدليل، يعني: إذا قلنا: إنه لا يُعتدُّ بهم في مسائل الاجتهاد والأقيسة، عرفنا أن المسألة ليست مما اتُّفق عليه فيُخرَم الاتفاق بقول الظاهريَّة، أما إذا كان المعوَّلُ عليه والعمدة في المسألة النصَّ فهم ممَّن يُعنى بالنصِّ ويهتم به. ويُنقل عن شيخ الإسلام -رحمه الله- مما لم أقف عليه بلفظه أن كلَّ قولٍ يسنده الدليل فلأبي محمد منه أوفر الحظِّ والنصيب، يعني: ابن حزم، هذا في مسائل الفروع، أما في مسائل الأصول فابن حزم عنده مخالفات، وعنده طوام وعظائم، فإذا نظرنا إليه من هذه الحيثيَّة أيضًا قلنا: هذا يُقلِّل من شأنه، فكيف يَترك الأقيسة في الفروع، ويعتمدها في الأصول، ويُرتِّب عليها النتائج الكبيرة؟!

على كل حال المسألة معروفة عند أهل العلم، وظاهر النصِّ التحريم؛ لأن عامة أهل العلم يقولون: الأصل في النهي التحريم، ولم يقل به فيما أعلم إلا الظاهريَّة.