متابعة السلف في المسائل التي أجمعوا عليها

السؤال
إذا وجدنا السلف المتقدمين أجمعوا على حكم مسألة هل نقف عن البحث عنها ونكتفي باجتهادهم أو أنه يختلف الاجتهاد باختلاف الزمان؟
الجواب

إذا أجمع السلف على حكم مسألة فالإجماع حجة قطعية لا تجوز مخالفتها، والإجماع قول جميع المجتهدين في عصر من العصور، وهو حجة عند أهل العلم، وهو الدليل الثالث بعد الكتاب والسنة، ولا يجوز مخالفته، فكيف بإجماع السلف الذين لا يجمعون على ضلالة؟! فيجب الكف عن البحث عنها وتجب موافقتهم ومتابعتهم، والإجماع كما هو معلوم لا يكون إلا عن دليل، فالحجة في المسألة الإجماع المُعتمِد على الدليل الذي اعتمده أهل الإجماع في هذه المسألة ولو لم نطَّلِع عليه، فإذا نُقل الإجماع فإنا نَكُفُّ عن البحث في هذه المسألة، والمقصود الإجماع الحقيقي لا الإجماع المنخرم الذي يذكره بعض أهل العلم كالنووي وابن المنذر وابن قدامة وغيرهم من أهل العلم، حيث يذكرون إجماعات مع أن الخلاف في هذه المسائل التي ادُّعي عليها الإجماع معروف، وقد يذكره العالِمُ نفسه الذي نقل الإجماع، فهذه الإجماعات لا تؤثر، وإنما تُوجد هيبةً عند طالب العلم، فيهاب مخالفة هذا الكلام، وإذا وُجد المُخالف ساغ له أن يخالف بالدليل، ولا نقول مثلما قال الشوكاني: (إن كثرة دعاوى الإجماع التي يدعيها بعضهم تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع)، بل الإجماع له هيبة ولا شك، فإذا تحقق أنه بالفعل إجماع ولم يُوجَد مخالف فهذا يجب اتباعه ولا تجوز مخالفته، وإن وُجد المخالف نُظر في المسألة على أنها مسألة خلافية.

فالإجماع المعتبر هو إذا لم يوجد مخالف وكان إجماعًا حقيقيًّا؛ لأن الإجماع قول جميع مجتهدي العصر، وأما مَن يرى أن الإجماع قول الأكثر مثل: ابن جرير الطبري -فقول الأكثر يعده إجماعًا-، فهذا خلاف ما عليه عامة أهل العلم، وقد نُقل عنه هذا في كتب الأصول، وجرى عليه في تفسيره، فكثيرًا ما يقول: القول في تأويل قوله تعالى كذا: كذا وكذا، وبه قال فلان وفلان ويذكرها بأسانيدها، ثم يقول: وقيل: كذا وكذا، وقال به فلان، والصحيح من الأقوال عندنا في ذلك كذا -يعني قول الأكثر-؛ لإجماع من ذكرنا، وإن كان قراءةً قال: والصحيح في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القرَأَة عليها، فقول الأكثر يُعد إجماعًا عند ابن جرير الطبري، وغيره يرون الإجماع قول الكل، والنووي -رحمه الله تعالى- قد يذكر الإجماع ثم يذكر مَن خالف، والغالب في مثل هذه الإجماعات أن المُخالف هم أهل الظاهر، وقد يَذكر غيرهم، لكن الغالب فيمن يخرم الإجماع عند النووي الظاهرية؛ لأنه لا يَعتد بقولهم، ويقول: (ولا يعتد بخلاف داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد)، وقد يوجَد خلاف ما يقوله مما لم يذكره هو، فمثلا ذَكر الإجماع على أن عيادة المريض سنة، مع أن الإمام البخاري ترجم في صحيحه: (باب وجوب عيادة المريض)، ونَقل الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة، مع أن أبا عَوانة في صحيحه ترجم: (بيان وجوب صلاة الكسوف)، فمثل هذا لا شك أنه نوع تساهل، فيُتَأكَّد منه، سواء من النووي أو من ابن قدامة أو من ابن عبد البر أو من غيرهم، لكن على طالب العلم إذا ذُكر الإجماع أن يهابه، فلا شك أنه يُوجِد هيبةً حتى يُوجَد الخلاف.