درجة حديث: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»

السؤال
ما صحة حديث: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»؟
الجواب

هذا الحديث خرَّجه الإمام البخاري في صحيحه بصيغة (قال)، قال -رحمه الله-: وقال عفَّان: حدثنا سليم بن حيان حدثنا سعيد بن ميناء قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد» [البخاري:5707]، فهو مروي بهذه الصيغة -صيغة (قال)-، كما أنه مخرَّج بسند عند الإمام أحمد لكنْ فيه مجهول، يبقى أن المعوَّل على ما في (صحيح البخاري)، وأهل العلم يختلفون فيما أخرجه البخاري بصيغة (قال)، وعفَّان بن مسلم الصفَّار من شيوخ البخاري، فإذا روى البخاري عن شيخ من شيوخه بصيغة (قال) جازمًا بذلك فقد اختلف العلماء هل يُعدُّ من قبيل المعلَّق أو الموصول. والذي عليه ابن الصلاح وأيَّده الحافظ العراقي وجمعٌ من أهل العلم أنه موصول، لكن صيغة (قال) كصيغة (عن)، ولذا يقول الحافظ العراقي:

.............أما الذي

لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي

عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ

لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِفِ

فهو موصول، وليست مثل (حدثنا) أو (سمعت)، لكنها مثل (عن)، وهي محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم: ألَّا يُعرف الراوي بالتدليس، وأن يكون الشيخ الراوي قد لقي أو عاصر مَن روى عنه، كما هو الخلاف المعروف في العنعنة أنه محمول على الاتصال بالشرطين، والبخاري ممن يشترط السماع كما استفاض عند أهل العلم، وشيخه عفَّان بن مسلم قد لقيه البخاري وروى عنه، فعلى هذا هو محمول على الاتصال، فالخبر متصل على هذا القول، والقول الثاني: أن هذه من صيغ التعليق عند الإمام البخاري، ولو كان عفَّان بن مسلم من شيوخه؛ لأنه لو سمعه منه مباشرة لقال: (حدثنا) كما هي عادته وجادته، لكن لما عدل من قوله: (حدثنا) إلى (قال) عرف أنه لم يتحمله منه مباشرة بل بواسطة وأسقط الواسطة، وهذه حقيقة المعلَّق، لكن الذي عليه ابن الصلاح والحافظ العراقي وجمع من أهل التحقيق أنَّه موصول، له حكم الوصل ما دام عفَّان شيخًا من شيوخه ولقيه وسمع منه وجزم بنسبة الخبر إليه فقال: (قال)، حتى على القول الثاني وأنّه معلَّق فهو معلَّق بصيغة الجزم، وهذه الصيغة عند أهل العلم يقولون: إن النسبة صحيحة لمن أُبرز، فالبخاري ضمن لنا مَن حَذف، بدليل أنه جزم بنسبته إلى عفَّان، (وقال عفَّان: حدثنا سليم بن حيان)، ولولا أنَّه ثقة عنده لما جزم بنسبته إلى شيخه عفَّان.

المقصود أن هذه من المسائل المختلف فيها في (صحيح البخاري)، والمرجَّح عند ابن الصلاح والحافظ العراقي وجمع من أهل التحقيق أن لها حكم الوصل، وغاية ما يقال فيها: إنها مثل (عن) محمولة على الاتصال بالشروط المعروفة عند أهل العلم، والإمام البخاري ما عُرف بالتدليس، بل قال ابن القيم -رحمه الله- في (إغاثة اللهفان): (البخاري أبعد خلق الله من التدليس)؛ لأن شرط قبول السند المعنعن ومثله (قال) ألَّا يُعرف الراوي بالتدليس، والراوي هنا البخاري عن شيخه عفَّان لا يُعرف بالتدليس، قال ابن القيم: (البخاري أبعد خلق الله من التدليس)، ولو قال: (مِن أبعد خلق الله من التدليس) لكان التعبير أدق، الأمر الثاني: أن يكون الراوي قد لقي أو عاصر مَن روى عنه، والبخاري لقي عفَّانَ؛ لأنَّه من شيوخه، فبهذين الشرطين تبيَّن لنا أن الحديث موصول، وأقلُّ أحواله أن يكون معلَّقًا بصيغة الجزم، وما كان بهذه المثابة فإنه صحيح على أي حال، والله أعلم.