ليلة النصف من شعبان

السؤال
هل ورد في فضل ليلة النصف من شعبان حديث يصح؟
الجواب

ورد في هذه الليلة أحاديث وآثار لكن لا يثبت منها شيء يُرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان بعض العلماء كابن رجب -مثلًا- يستروح إلى أنها لكثرتها وكثرة ما جاء فيها من الآثار أنه قد يكون لها أصل، وإلا فالأصل أن مفرداتها كلها ضعيفة، وضعفها شديد لا يثبت به حكم من الأحكام. ومن فسَّر قوله جل وعلا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدخان: ٣] بأنها ليلة النصف من شعبان كما رُوي عن عكرمة فقد قال الحافظ ابن كثير: (أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان) {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} يعني القرآن {فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} النص القطعي في كتاب الله -جل وعلا- أن التنزيل في رمضان {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: ١٨٥]، فكيف يُفسَّر قوله -جل وعلا-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} أنها ليلة النصف من شعبان؟! وهذا مروي عن عكرمة، ونص القرآن كما قال الحافظ ابن كثير أنها في رمضان، والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري قال: أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لَيَنْكِحُ، وَيُولَدُ له وقد أُخرج اسمه في الموتى» [شعب الإيمان: 3558]، قال ابن كثير: (فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارَض به النصوص).

والرابط بين هذا الخبر وبين تفسير هذه الليلة بأنها ليلة النصف من شعبان قوله -جل وعلا-: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: ٤]، وقوله في الخبر: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان» جعلوه تفسيرًا لهذه الآية وغفلوا عن التنزيل {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}، والنص القطعي كما جاء في سورة البقرة {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وسورة كاملة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، ومثل هذا الخبر المرسل لا يَثبت به حكم فضلًا عن أن يكون معارَضًا بنص قطعي، فمثل هذا القول لا حظ له من النظر، والخلاصة أنه لا يثبت فيها شيء.

وقد تساهل الناس في هذه الأوقات في نشر الأحاديث دون تأكد من صحتها، ولا يجوز لأحد أن يروي حديثًا لا يتثبت من ثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل لا بد أن يجزم بثبوته عنه -عليه الصلاة والسلام-، فلا يروي حديثًا ضعيفًا إلا مقرونًا ببيان ضعفه، فضلًا عن أن يكون الخبر موضوعًا، وعموم الناس لا يفرِّقون، فيسمعون (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) ويعملون بذلك، ويترتب على ذلك: العمل بما لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والعمل بأحكام لا أصل لها في الشرع، فتدخل في حيِّز الابتداع، وما كَثُرت البدع وكثر المبتدعة إلا بهذا السبب، حيث يسمعون أحاديث ويعملون بها وهي غير صحيحة وغير ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. فالواجب على الواعظ أو الخطيب أو المعلم أن يبين درجات الأحاديث، ما كان منها صحيحًا لا يحتاج إلى بيان، لكن الكلام فيما هو من قبيل الضعيف، أو ما أشد من ذلك من الموضوع، وعموم الناس -كما قلنا- إذا سمعوا (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) بادروا إلى العمل؛ لمحبتهم للخير ورغبتهم فيه، فيكون غِشًّا لهم ألَّا يُبيَّن ضعف الحديث ووضعه وأنه مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والعامة ليست لديهم الأهلية لتمييز الصحيح من الضعيف، وقد استدرك شخص ممن ينتسب إلى العلم من العجم على الحافظ العراقي في حكمه على حديث بأنه مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث سُئل الحافظ العراقي عن حديث فقال: هذا حديث مكذوب لا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال له: يا شيخ، كيف تقول: مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالإسناد؟ فقال له: أحضره لنراه بإسناده ونرجع لو كان الخبر ثابتًا، فأحضره من (الموضوعات) لابن الجوزي! فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، وهذا الشخص له صلة بالعلم، فكيف بعامة الناس؟!

وأيضًا قد لا يكفي أن يقال: (موضوع)، بل يقال: (مكذوب) (لا يصح) (لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-)؛ لأن العامة لا يعرفون معنى الموضوع، وكذلك الضعيف، فبعض العامة ما يدري ما معنى ضعيف. ومن الطرائف أن شخصًا من العامة أورد حديثًا فقال له ابنه: يا أبتِ هذا حديث ضعيف، قال: لا تحتقر شيئًا فكم من ضعيف نفع الله به! فمثل هؤلاء الناس لا يُكتفى بإطلاق الاصطلاحات العلمية من غير بيان وتفصيل لها ولما يترتب عليها، بل لا بد من البيان الكافي الشافي الذي تبرأ به الذمة.

والتصدي من قبل طلبة العلم لما يُنشر في شبكات التواصل من الأحاديث الموضوعة والضعيفة من أوجب الواجبات، ومن فروض الكفايات، ولا بد من القيام به.