الاستغاثة بالرسول والاستدلال عليها بمثل حديث "أسألك مرافقتك في الجنة"

السؤال
ما حكم الاستغاثة بالرسول –صلى الله عليه وسلم–، وهل في حديثي: "أسألك مرافقتك في الجنة"، و"أشترط أن يُغفر لي" دليلٌ على ذلك، مأجورين؟
الجواب

الحديث الأول وهو حديث "أسألك مرافقتك في الجنة" في (صحيح مسلم) عن ربيعة بن كعبٍ الأسلمي –رضي الله عنه- قال: كنتُ أبيتُ مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم– فأتيتُه بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سَلْ» فقلتُ: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: «أَوْ غير ذلك؟» قلتُ: هو ذاك، قال: «فأَعنِّي على نفسك بكثرة السجود» [489]، وليس في هذا ما يدل على الاستغاثة بالرسول –عليه الصلاة والسلام-، إنما سؤاله –عليه الصلاة والسلام- أن يدعو له بأن يكون رفيقًا له في الجنة بالشرط الذي ذكره –عليه الصلاة والسلام-: «فأَعنِّي على نفسك بكثرة السجود».

وهؤلاء الذين ينحون هذا المنحى وهو الاستغاثة بالنبي –عليه الصلاة والسلام- في غيبته، وبعد موته، ويطلبون منه ما لا يقدر عليه إلا الله -جلَّ وعلا-، كما قال الشاعر:

يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألوذُ بهِ
 

 

سواكَ عندَ حدوثِ الحادثِ العَممِ
 

إلى غير ذلك من توسلاتهم واستغاثاتهم، وهذا من نوع الشِّرك الأكبر، فالاستغاثة بالنبي –عليه الصلاة والسلام- وطلب الحوائج منه فيما لا يقدر عليه إلا الله –جلَّ وعلا- هذا شِرك.

وفي (صحيح مسلم) في الحديث الثاني عن عمرو بن العاص –رضي الله عنه- قال: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيتُ النبي –صلى الله عليه وسلم – فقلتُ: ابسط يمينك فلأُبايعك، فبسط يمينه، قال –عمرو-: فقبضتُ يدي، قال -النبي عليه الصلاة والسلام-: «ما لك يا عمرو؟» قال: قلتُ: أردتُ أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلتُ: أن يُغفر لي، قال: «أما علمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟» [121]، وليس في هذا ما يدل على الاستغاثة.

ولم يقل أحدٌ من علماء المسلمين: إنه يُستغاث بشيءٍ من المخلوقات فيما يُستغاث فيه بالله تعالى، لا بنبيٍّ، ولا بملكٍ، ولا بصالحٍ، ولا بغير ذلك، بل هذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز، بل شأنه عظيم وأمره خطير، وأنه من الشِّرك الأكبر الذي يُخرِج فاعله من الإسلام والعياذ بالله، ومَثَّلوا –أعني أهل العلم- للشرك الأكبر الذي يُخرج من الملة بالاستغاثة بالرسول –صلى الله عليه وسلم–، أو بغيره من الأموات.

ومما يؤسَف له أن هذا الشرك الأكبر موجود في كثيرٍ من بقاع المسلمين على مَرِّ العصور، ويُنكره أهل العلم بالأدلة الصحيحة الصريحة القطعية على إنكاره، ومع ذلك لسان الحال يقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] -نسأل الله العافية-. ومَن قرأ في كتب الرحلات لا سيما (رحلة ابن بطوطة) يجده في كل بلدٍ أو قريةٍ أو جبلٍ أو شيءٍ من هذا يُوجد فيه قبر: إلَّا ويمر عليه، ويطلب منه الغوث والمدد، ويتبرك به -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا موجود في كثيرٍ من كُتب الرحلات، يهمهم الآثار وتتبُّع آثار الذين يزعمون فيهم الصلاح، وبعضهم لا يُعرف بذلك، وإنما يُدَّعى له الصلاح، ولكن هي الفتنة والشيطان، وحتى لو عُرِف بالصلاح، أو كان الرسولَ –عليه الصلاة والسلام-، فالرسول –عليه الصلاة والسلام- الاستغاثة به شرك، فكيف بمن دونه؟! فلا تجوز الاستغاثة بغير الله لا بملكٍ مُقرَّب، ولا نبيٍّ مُرسل، والله المستعان، وإن كانوا يقولون: (نستشفع به وهو قريب من الله -سبحانه وتعالى-) وما إلى ذلك، لكن هل يستطيع أن يشفع؟! والرسول –صلى الله عليه وسلم- نعم ثبتت له الشفاعة في الآخرة، لكن لا تُطلَب منه الآن، وإنما تُطلب من الله –جلَّ وعلا- أن يُشفِّع فيه نبيَّه –صلى الله عليه وسلم-، فإذا أراد أن يطلب الشفاعة الآن فيقول: (اللهم شفِّع فيَّ نبيَّك محمدًا –صلى الله عليه وسلم-)، كما يُقال في الطفل إذا مات: (اجعله فرطًا نافعًا وشافعًا مُشفَّعًا)، والله أعلم.