السر في تأكيد القرآن لتحذير لوط عليه السلام قومَه من الفاحشة دون أمرهم بالتوحيد

السؤال
ما السر في أن لوطًا –عليه الصلاة والسلام- قال لقومه: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [النمل: 54] بينما كل الرسل قالوا لأقوامهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]؟
الجواب

يقول الله –جلَّ وعلا-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال –جلَّ وعلا-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال –جلَّ وعلا-: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 160-163].

يقول الحافظ ابن كثير: (فدعاهم إلى الله -عز وجل- أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يُطيعوا رسولهم الذي بعثه إليهم، ونهاهم عن معصيته وارتكاب ما كانوا قد ابتدعوه في العالم -لأن هذه الفاحشة ما سبقهم إليها أحد من العالمين- مما لم يسبقهم الخلائق إلى فعله من إتيان الذكران دون الإناث).

ويقول الرازي في تفسيره: (لم يذكر الله –جلَّ وعلا- عن لوط أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد، وذكر عن شعيبٍ ذلك)، ومع ذلك فالتأكيد في قصة لوط على إتيان الفاحشة، وفي قصة شُعيب على إيفاء المكيال والميزان؛ لأنها معصيتهم، فرُكِّز بالنسبة لقوم لوط على هذه الفاحشة؛ لعِظمها وشناعتها. يقول الرازي: (قلنا: قد ذكرنا أن لوطًا كان له قومٌ، وهو كان من قوم إبراهيم وفي زمانه، وإبراهيم سبقه بذلك واجتهد فيه؛ حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند الخلق من إبراهيم، فلم يذكره عن لوط وإنما ذكر منه ما اختصَّ به من المنع عن الفاحشة وغيرها، وإن كان هو أيضًا يأمر بالتوحيد -لأن التوحيد قاسم مشترك بين الرسل كلهم كما في قوله –جلَّ وعلا-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، كلهم قالوا هذا، لكن التأكيد بالنسبة للوط –عليه السلام- على هذه الفاحشة العظيمة-، إذ ما من رسولٍ إلا ويكون أكثر كلامه في التوحيد، وأما شعيب فكان بعد انقراض القوم، فكان هو أصلًا أيضًا في التوحيد فبدأ به، وقال: {اعْبُدُوا اللَّهَ} [الأعراف: 85]).

وللقرطبي كلام في تفسير سورة هود في أولها، وهو أن الله قد يُعذِّب على المعصية التي يشتهر بها قوم ويُعلنوا بها ويشاقوا فيها، فيُعذبهم عليها، وهذا كما هو حاصلٌ في نزول العذاب على بعض من ينتسب إلى الإسلام؛ لأنهم تركوا أمر الله وارتكبوا نواهيه، وجاهروا بذلك وأعلنوا به، واختفى فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي (النبوات) لشيخ الإسلام ابن تيمية: (وقوم لوط ذُكِر عنهم استحلال الفاحشة، ولم يُذكروا بالتوحيد، بخلاف سائر الأمم، وهذا يدلُّ على أنَّهم لم يكونوا مشركين -لأن دعوة لوط عليه السلام مسبوقة بدعوة إبراهيم عليه السلام-، وإنما ذنبهم استحلال الفاحشة، وتوابع ذلك، وكانت عقوبتهم أشد، إذ ليس في ذلك تديُّن، بل شرٌّ يعلمون أنه شر)، والله أعلم.