المقصود بالسِّيما في قوله تعالى: {سيماهم في وجوههم}

السؤال
ما المقصود بالسِّيما في قوله -جل وعلا-: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم}؟
الجواب

أهل العلم من المفسرين وغيرهم يقولون: إن السِّيما ليست هي الأثر الذي يظهر على جبين المسلم؛ لأنه بالتَّتبُّع وُجِد هذا الأثر في وجوه بعض مَن فيهم فسق، أو نفاق، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه إذا حرص أن يكون للسجود أثر فلا شك أن في إخلاصه خللًا، لكن قد يوجد من كثرة السجود، ويكون علامة صحيحة، فليس هذا مطَّرِدًا، لكن ليس بمقتضٍ أن يكون هذا الأثر هو السِّيما التي جاء مدح الصحابة -رضي الله عنهم- بها، وإنما هو نور يَبين على وجه العابد الصالح، ولو لم يكن هناك خدش في جبينه؛ لأنه وُجِد مَن يتعمَّد وضع بعض المواد على جبينه كالمواد الحارقة النفاذة، مثل: الثوم أو غيره، فيعصبه على جبينه، وإذا أصبح صار له أثر، فهل مثل هذا يدخل في هذا المدح؟ هو أبعد الناس عن مثل هذا، وقد قال بعض أهل العلم: إنه وُجِد هذا الأثر في جبين بعض المنافقين، وعلى هذا فـ{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم} [الفتح: 29]: ما يظهر من النور الذي يُلحَظ على وجوه بعض أهل العبادة والعلم والورع، حيث يظهر نور يَتلألأ من وجهه ولو كان لونه غير أبيض، وهذا موجود، ونرى بعض الإخوان الأفارقة كأنه يشع نورًا، فهذا علاقته بالقلب لا باللون أبدًا، وتجد بعض الناس وجهه كالحٌ مُغبَرٌّ وإن كان لونه أبيضَ، فالعبرة بما ينبعث من القلب من علمٍ ويقينٍ وطمأنينةٍ ورضًا بالله -جلَّ وعلا-، ولذا شَرِيْك -رحمه الله- كان يُحدِّث، فذكر إسنادًا، فدخل ثابت بن موسى الزاهد -رحمه الله- المسجد فإذا بوجهه يَتلألأ نورًا من العبادة، فقال شَرِيْك: (من كثُرتْ صلاته بالليل، حَسُن وجهه بالنهار)، وثابت بن موسى الزاهد هذا عابد ليس له عناية بعلم الحديث والأسانيد والمتون، فصار يروي هذا الخبر بذلك الإسناد الذي سمعه من شَرِيْك!

فقد يوجد في المسلمين -والأمة بمجموعها متكاملة- مَن هم حملة علم، واهتمامهم بالعلم أفضل من اتجاههم إلى العبادة، فالعلم من أفضل العبادات، ومنهم مَن يتَّجه إلى العبادة، والعمل، والصلاح، والفضل، وينصرف عن العلم، وفي كلٍّ خير-إن شاء الله تعالى-، لكن العالم أفضل من العابد قطعًا.

الشاهد قوله: (من كثُرتْ صلاته بالليل، حَسُن وجهه بالنهار)، وهذا ظاهر في وجوه كثير من الصالحين.