مَن عزم على فعل السيئة ولم يتمكَّن من فعلها

السؤال
هل صحيح أن مَن أراد أن يفعل السيئة ولم يتمكَّن من فعلها؛ لوجود أُناس يرونه، أو لعدم تيسُّرها، أو لأي سبب، أنه يأثم على ذلك وكأنه فعلها حقيقة؟
الجواب

لا شك أن مَن همَّ بحسنةٍ فلم يفعلها كُتِبتْ له حسنة، ومَن همَّ بحسنةٍ وفعلها كُتِبتْ له عشر حسنات، ومَن همَّ بسيئةٍ ففعلها كُتِبتْ عليه سيئة، ومَن همَّ بالسيئة ولم يفعلها كُتِبتْ له حسنة، وجاء التعليل في الحديث نفسه أن الله –جلَّ وعلا- يقول: «إنما تركها مِن جَرَّائي» [مسلم: 129] أي: من أجلي، فإذا ترك السيئة من أجل الله ولم يفعلها كُتِبتْ له حسنة، وإذا تركها من أجل الناس كُتِبتْ عليه سيئة، وإذا تركها عجزًا عنها بعد أن بذل الأسباب فإنها تُكتب عليه كما لو فعلها، ولذا جاء في الحديث الصحيح «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» [البخاري: 31]، فهو حَرَص وبذل الأسباب، لكن عجز، فما ترك قتْل أخيه من أجل الله، وإنما تركه عجزًا، فهو مؤاخذٌ بذلك ومحكومٌ عليه بالنار، كما في هذا الحديث الصحيح.

ومعروف أن القصد له مراتب، فمن خطر بباله المعصية ولم تتردَّد في باله، بل مجرد عبور، فهذا لا يؤاخذ عليه، وكذلك إذا طرأ عليه هاجس، فعندنا هاجس وخاطر لا مؤاخذة فيهما، وكذلك حديث النفس، فإذا تردَّد الكلام في نفسه فحديث النفس معفوٌّ عنه «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثتْ به أنفسها» [البخاري: 5269]، فحديث النفس معفوٌّ عنه. يلي هذه المراتب الثلاثة: الهَم، كذلك لا مؤاخذة عليه؛ لأنه ملحقٌ بحديث النفس، وإن كان أعلى منه. الأخير الخامس: العزم، وهو الذي في حديث «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، هذا عَزَم على قتل صاحبه، فالعزم يُؤاخذ عليه؛ ولذا يقول الناظم:

مَرَاتِبُ القَصْدِ خَمْسٌ: هَاجِسٌ ذَكَرُوا،
 

 

فَخَاطِرٌ، فَحِديثُ النَّفْسِ فَاسْتَمِعَا
 

يَلِيهِ هَمٌّ، فَعَزْمٌ، كُلُّهَا رُفِعَتْ
 

 

إلا الأَخِير فَفِيهِ الإثمُ قَد وَقَعا
 

"كُلُّهَا رُفِعَتْ": يعني: رُفِع فيها الإثم.

فالإنسان إذا ترك الأمر من أجل الله كما قال الله –جلَّ وعلا- في الحديث القدسي: «إنما تركها مِن جَرَّائي»، فهذا له حسنة؛ لأنه تركها من أجل الله، ومَن تركها لعدم القدرة عليها أو من أجل الناس فهذا آثم، وهذا الأمر يحتاج إلى شيء من التوضيح:

- إن ترك المعصية عجزًا عنها مع فعل أسبابها التي تؤدِّي إليها، فهذا يُكتَب عليه وزر فاعله، وفيه الحديث السابق الذي ذكرناه.

- والحال الثانية: أن يترك المحرَّم خوفًا من الله –عزَّ وجلَّ-، وهذا يُكتَب له بهذا الترك حسنة -كما ذكرنا-؛ لقول الله -سبحانه وتعالى-: «إنما تركها مِن جَرَّائي».

- وإن ترك المحرَّم لأنه لم يطرأ على باله ولا مر بخاطره، فمثل هذا لا له ولا عليه، ويقول بعض أهل العلم: إن مَن جلس في المسجد ولم تطرأ المعصية له على بال، فانشغل بقراءة القرآن، فهذا أجره بقراءة القرآن، وبالمكث في المسجد، وبانتظار الصلاة، لكن ما يُقال: (له أجر؛ لأنه ترك الزنا) -مثلًا-؛ لأن هذا ما خطر له على بال، وإن كان الباعث له على الجلوس في المسجد ألَّا يُعرِّض نفسه لفتنة أو يقع في محرَّم سواء كانت من فتن الشهوات أم الشبهات أم القيل والقال في مجالس الناس، فقال: (أنا أجلس في المسجد)، فهذ يُؤجر على هذه النية إضافةً إلى ما يفعله من الحسنات من قراءة القرآن والذِّكر.

- وقد يترك المحرَّم لعجزه عنه، لكن لم يفعل الأسباب التي توصله إليه، وإنما ينوي ويتمنَّى، فهذا عليه الوزر بقدر نيته، لكنه دون الأول الذي فعل الأسباب، فالمسألة لها مراتب ومراحل.

نسأل الله –جلَّ وعلا- أن يُيسرنا لليسرى، ويُجنبنا العسرى، ويُسهِّل علينا الطاعات، ويُجنبنا المعاصي والمنكرات، والله المستعان.