توجيه الآثار عن السلف في زيادة العبادة على ما ثبت في السنة

السؤال
كيف نوجِّه الآثار الواردة عن السلف في الزيادة في العبادة بغير ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، كصلاة الإمام أحمد في اليوم ثلاثمائة ركعة؟
الجواب

هناك من السنن ما هي أفعال للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنها ما هي أقوال، والأفعال يُقرِّر أهل العلم أنها لا عموم لها، والأقوال هي التي تتناول الأمة، وقد يحث النبي -عليه الصلاة والسلام- على شيء ولا يفعله؛ خشيةَ أن يُفرض على الأمة، كقوله: «أَعنِّي على نفسك بكثرة السجود» [مسلم: 489]، وقد يعوقه عنه وينشغل عنه بما هو أهم منه من النفع المتعدِّي، فلو قُدِّر أن إنسانًا من أهل العلم ارتبطتْ حاجات الناس به، وتعلَّق نفعهم به -والإنسان إذا كثُرت نعم الله عليه ازدادتْ حاجة الناس إليه كما هو معلوم-، فإذا ترتَّب على ذلك أنه لو انشغل بعبادة خاصة، وبدلًا من أن يصلي في اليوم والليلة أربعين ركعة: الرواتب ثنتا عشرة ركعة، والفرائض سبع عشرة، والوتر إحدى عشرة، فلو زاد على ذلك تأثَّر نفعه للناس، ولو قلنا له: صم صيام داود -عليه السلام-، قال: (أنا لا أستطيع أن أجمع بين التصدُّر لتعليم الناس وإفتائهم مع صيام داود)، فنقول: لا تصم صيام داود، بل علِّم الناس، ووجِّههم، وانفعهم، وأفتهم، وخلِّ صيام داود لإنسان ليست عنده هذه القدرة، فإذا كان يؤثِّر على الإنسان وعلى عمله العام لا سيما وأن العمل العام أفضل، فالعلم وتعليم العلم أفضل بكثير من كثرة الصيام والصلاة، فهل نقول للشيخ الذي لا يستطيع أن يوفِّق بين هذه العبادات الخاصة، وبين النفع العام: لا، اتَّجه إلى هذه العبادات؛ لأنها ثبتت عن السلف؟! النبي -عليه الصلاة والسلام- ارتبطتْ به حاجة الأمة كلها، فهو يقوم -عليه الصلاة والسلام- بالتبليغ، ويُعلِّم الناس، ويوجِّههم، وأيضًا لو فعل هذه الأمور إضافة إلى الحث عليها بقوله لَتعطَّلتْ كثير من المصالح، وبعض الأمور قد يتقاتل عليها الناس، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- حثَّ على العمرة في رمضان، وقال: «تعدل حجة»، وفي رواية: «حجة معي» [البخاري: 1863]، فماذا يكون الأمر لو اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رمضان؟ لَتقاتل الناس على العمرة في رمضان، ولتجد المشقة العظيمة، وأضعاف أضعاف مَن يعتمر في هذه الأوقات؛ لأن بعض الناس الآن يتذرَّع ويقول: (النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان)، ويجلس في بلده، وبهذا يَخف الأمر على المسلمين، وكلٌّ ميسَّر لِما خُلق له، فلو تضافر القول والفعل لاجتهد الناس في التحصيل، ولضاقت بهم المسالك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل الكعبة، ثم بعد ذلك ندم، وقال: إنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما دخل، لماذا؟ لئلا يلزم على ذلك مشقة [أبو داود: 2029]، وهو الرؤوف الرحيم بأمته -عليه الصلاة والسلام-، فقوله: «أَعنِّي على نفسك بكثرة السجود» يناسب هذا الشخص؛ لأنه ليس لديه شغل، وليست لديه أهلية للتعليم ولا للدعوة، فحفظ حديثًا أو حديثين وبلَّغهما وانتهى، فيتَّجه إلى العبادة الخاصة.