كيفية مخاطبة العوام بالعبارات والقواعد الشرعية التي قد لا يفهمونه

السؤال
لمَّا منَّ الله علينا بسلوك درب الطلب، وجدنا أن هناك جُملًا منتشرة حتى في الأوساط العلمية، متداولة بين أهل العلم، ولكن وصولها إلى عوام الناس دون ضبط قد يؤدِّي إلى نتائج سلبية في الفهم والعمل، وذلك مثل عبارة: (ليس كل مسلم مؤمنًا)، فبعد طلب العلم عرفنا أن المقصود المؤمن كامل الإيمان، وإلِّا فإن المسلم لا بد أن يكون معه من الإيمان ما يصح به إسلامه، بمعنى أن تكون العبارة: ليس كل مسلم مؤمنًا كامل الإيمان. ومثل: عبارة: (لبس المخيط) ضمن محظورات الإحرام، كذلك لا تعني ما فيه خيط يجمع أجزاءه، بل المقصود ما كان مفصَّلًا على الجسد. السؤال: الآن نحن أمام أمرين عند خطاب الناس:
- الأول: نشْر هذه العبارات مع التنبيه إلى ضوابطها، وإلى ما قد تُسبب من خطأ في الفهم.
- الثاني: عدم ذكرها، واستبدالها بما يفي بالمقصود دون لَبس.
ولكن المحذور في الأول -نشر هذه العبارات مع التنبيه إلى ضوابطها- أنه قد لا يبقى في أذهان المخاطبين إلَّا كون هذه العبارات فيها خطأ، مما يُجرِّئ العامة على التعدِّي على العلماء، وتسفيه القائلين بها.
والمحذور في الثاني -الذي هو عدم ذكرها، واستبدالها بما يفي- التغيير في الميراث العلمي الذي وصلنا من علمائنا، وقد يفتح بابًا في التغيير، حتى في الصحيح منه. فأيُّ الخيارين أنسب؟
الجواب

مثل هذه العبارة (ليس كل مسلم مؤمنًا) التي لا يفهمها العامة، لا تُقال عند العامة، وفي أماكن اجتماعاتهم، وفي محافلهم، ولا يُطلَعون على مثل هذه العبارات التي لا يحتملونها، بل على العالم وطالب العلم أن يُحدِّث الناس بما يعرفون، وقد جاء قول علي -رضي الله تعالى عنه-: "حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله" [البخاري: 127]، فهذه أمور لا تحتملها عقول العامة، فلا تُلقى إليهم. لكن إذا قُدِّر أنها أُلقيتْ، ففي مثل هذه الظروف التي نعيشها، من خلال وسائل الإعلام التي غزت البيوت، ودخلتْ قعرها، وصار يُلقى بالعلم بين العوام، وكثير منه لا يفهمونه ولا يدركونه، بل قد يُلقى ببعض الشُّبه، وأُطلع العوام على الخلاف بين أهل العلم، وحصل لديهم شيء من الاضطراب، مما جعل بعضهم ينسب هذا الاختلاف إلى الدين، والدين ليس فيه اختلاف، والحق واحد لا يتعدَّد، والاختلاف بالنسبة للعلماء إنما مردُّه إلى اختلاف الفهوم، وإلى بلوغ الأخبار: هل بلغتْ، أو لم تبلغ، وإذا بلغتْ، هل تصح عند هذا، أو لا تصح. المراد أن أسباب الاختلاف كثيرة، لكن العوام أُطلعوا على هذا الخلاف، فلا بد أن يُطلَعوا على أسبابه، وإذا أُطلعوا على مثل هذه العبارة فلا بد أن تُشرح لهم؛ لئلا يبقوا في دوامة لا يستطيعون الخروج منها.

تقول: (وعبارة: "لبس المخيط" ضمن محظورات الإحرام، كذلك لا تعني ما فيه خيط يجمع أجزاءه، بل المقصود ما كان مفصَّلًا على الجسد)، بعض العوام يتصوَّر أن الإحرام لو حصل فيه خرق أو شق، أنه لا تجوز خياطته؛ بناء على أنه مخيط، وهذا الفهم ليس بصحيح، وإنما المراد به ما ذُكر في السؤال: ما كان مفصَّلًا على الجسد، أو على عضو من أعضائه.

تقول: (السؤال: الآن نحن أمام أمرين عند خطاب الناس: الأول: نشْر هذه العبارات مع التنبيه إلى ضوابطها، وإلى ما قد تُسبب من خطأ في الفهم)، أنا أقول: هذه العبارات التي لا يُدركها العامة لا تُنشر بينهم؛ لأنه يحصل بسببها من الاضطراب والتشكيك ما يحصل، لكن إذا حصلتْ وأُلقيتْ بين الناس من خلال وسائل الإعلام التي دخلت البيوت، فلا شك أنه لا بد من بيانها وإيضاحها للناس -مثل ما مثَّلنا-.

(الثاني: عدم ذكرها، واستبدالها بما يفي بالمقصود دون لَبس)، إذا تيسَّر ذلك، ولم يُطلعوا على اللفظ الآخر، فهو المطلوب.

(ولكن المحذور في الأول -نشر هذه العبارات مع التنبيه إلى ضوابطها- أنه قد لا يبقى في أذهان المخاطبين إلَّا كون هذه العبارات فيها خطأ، مما يُجرِّئ العامة على التعدِّي على العلماء، وتسفيه القائلين بها)، على كل حال العوام لهم ما يناسبهم من خطاب، فلا يُناسبهم إلقاء القواعد العامة والأمور التي قد يُفهم منها غير المراد، فإذا أُلقيتْ عليهم وسمعوها من غير قصد فلا بد من بيانها لهم، وإزالة ما يعلق بأذهانهم من شبهات.

(والمحذور في الثاني -الذي هو عدم ذكرها، واستبدالها بما يفي- التغيير في الميراث العلمي الذي وصلنا من علمائنا، وقد يفتح بابًا في التغيير، حتى في الصحيح منه. فأيُّ الخيارين أنسب؟)، أولًا: -مثل ما ذكرنا- مثل هذه الأمور التي لا يُدركها العوام لا تُلقى عليهم، لكن إذا أُلقيتْ عليهم فلا بد من بيانها بيانا يفهمونه، بالأسلوب المناسب، من غير تغيير في الكتب التي اشتملتْ عليها هذه العبارات، فإذا احتجنا إلى قراءة هذا الكتاب للعامة، ومرَّتْ بنا عبارة لا تناسبهم، فتوضَّح هذه العبارة من قِبَل مَن يقرأ، ولو تولَّى أحد من أهل العلم توضيح هذه العبارات في حواشي هذه الكتب، بحيث لو اطَّلع عليها المبتدئ والمتعلِّم والمتوسِّط في التعليم يُدرك، والعامي أيضًا يُدرك منها ما يُدرك، فهذا جيِّد.