إعلال الألباني -رحمه الله- بعضَ أحاديث الكسوف التي في (صحيح مسلم)

السؤال
الألباني -رحمه الله- أعلَّ أحاديث صلاة الكسوف التي في (صحيح مسلم)، التي تفيد أن صفة صلاة الكسوف تأتي على ثلاثة ركوعات في الركوع الواحد، فهل يُؤخذ بقول الألباني، أم يُطرح؛ صيانة لـ(صحيح مسلم)؟
الجواب

هناك فرق بين أن يكون المروي ضعيفًا، وبين أن يكون خطأً من الراوي، أو وهمًا منه، فالبخاري -رحمه الله- خرَّج حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- و«أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوَّج ميمونة -رضي الله عنها- وهو مُحرِم» [البخاري: 1837]، وخرَّج مسلم حديث ميمونة -رضي الله عنها- و«أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوَّجها وهو حلال» [مسلم: 1411]، فالسند إلى ابن عباس صحيح، وابن عباس قال هذا الكلام، وهو على شرط البخاري لا إشكال فيه، فليس هناك خلل في الصحيح، فالخبر ثابت عن ابن عباس، وكون ابن عباس وَهِم فهذا شيء آخر، ولا يكون ضعيفًا من هذه الحيثيَّة، بل هو صحيح إلى ابن عباس، لكن ابن عباس وَهِم، ومَن يَعرى من الوهم والخطأ والنسيان؟ لا أحد.

ومثله في صلاة الكسوف، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما يقول أهل المغازي والسِّير لم يَثبت أن الشمس كسفتْ في عهده إلا مرَّة واحدة، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يزيد في هذا الأمر، وكأنه يريد أن يَسْخَر ممَّن يقول بتعدُّد الواقعة؛ لتعدُّد ألفاظ الأحاديث، فيقول: ما كسفت الشمس إلا مرَّة واحدة، وإبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما مات إلا مرَّة واحدة، وهذا الكلام صحيح، نعم ما مات إلا مرَّة واحدة، لكن بعض أهل العلم صيانة للصحيح يقول: كل الصور صحيحة، وما المانع؟! فقد ثبتتْ في كتاب التُزمتْ صحَّته، وتلقَّتْه الأمة بالقبول، ونحكم على أهل المغازي والسِّير بأنهم ما ضبطوا، ونقول: بل كسفتْ مرَّة ثانية، ما المانع؟ وبعض العلماء يزيد في هذا الأمر ويحكم بتعدُّد القصة؛ لمجرد اختلاف الرواة الذي لا يترتَّب عليه أثر، وإنما هو مجرد اختلاف بين الرواة، وهذا ليس بصحيح، والعبرة بأقوال الأئمة الكبار، وأما القول بتعدُّد القصة لأدنى اختلاف فهذا لا يسوغ، وإن قال به بعضهم؛ لأن أهل العلم يتفاوتون تفاوتًا كبيرًا في الحيطة والجُرأة، فتجد من أهل العلم مَن لديه من الجرأة التي مردُّها التمكُّن في العلم وسعة الاطِّلاع، وإلا مَن يَجرؤ أن يقول: إن الحائض لا تحبس الرُّفقة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «أَحابِستُنا هي؟!» [البخاري: 1757]؟ ما كلُّ عالِم يقول مثل هذا الكلام، لكن اطِّلاع شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- على عمومات الشريعة وقواعدها، وإحاطته بنصوص الشريعة، جعلتْه يقول مثل هذا الكلام، ولا يعني أن قوله هو الصواب، لكن قد يكون عند الإنسان من الإحاطة، وسعة الاطِّلاع، والتمكُّن في العلم، وشمول النظرة إلى نصوص الشريعة، ما يجعله يقول مثل هذا الكلام. وأما بعض أهل العلم فيتورَّع عن مثل هذا، ولا شك أن المسلم يجب أن يكون وقَّافًا عند النصوص، ولا يَجرؤ إلا إذا تعارضت النصوص تعارضًا لا يمكن معه التوفيق بينها، فهنا لا بد من الخروج من هذا الخلاف.