القول الراجح في الاعتداد بقول الظاهريَّة في الإجماع

السؤال
ما القول الراجح في الظاهريَّة في الإجماع: وهل يُعتدُّ بهم، أم لا؟
الجواب

النووي -رحمه الله- يقول في (شرحه على مسلم): (ولا يُعتدُّ بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد)، وقاله غيره، وشنَّع عليهم ابن العربي في (العارضة) بكلام طويل، وإسفاف في القول حقيقةً، لكن مع ذلك مما قاله فيهم هو: (فلما جاء الحمير الذين يطلبون النصَّ في كل صغير وكبير)! فهل هذه منقصة؟! والله ليست بمنقصة، بل هذه مفخَرَة ومحمَدَة. وهذا مثل خطيب قبل ربع قرن يريد أن يقدح في طائفة من الناس فقال على المنبر: (ومن صفاتهم تقصير الثياب، وحَمْل كتب الحديث)! فهل هذه منقصة؟! سبحان الله!

المقصود أنهم وقعوا في الظاهرية، ووقع من الظاهرية بإزاء أهل العلم كلام أيضًا غير مقبول، ولا شك أن مَن يقع في غيره يقع الناس فيه، فوُجد في كلام بعض الظاهرية: (وبهذا قال أبو حنيفة، وهو لا يساوي رجيع الكلب)! فهل مثل هذا يقال في إمام؟! (وبهذا قال مالك، فأين الدِّين؟)! ... فمَن يقول هذا الكلام لا بد أن يجد مَن يقع فيه؛ جزاءً وفاقًا، والجزاء من جنس العمل. لكن مع ذلك لا نرضى أبدًا أن يُنبز مسلم بأنه يطلب الدليل، فمَن يطلب الدليل فهو على الأصل.

على كل حال الظاهرية لهم وعليهم، وعنايتهم بالدليل ظاهرة، لكن يبقى أنهم أخلوا بأمر القياس، وهو أمر مقرَّر عند عامة أهل العلم، وجاءت به الأدلة، لكن الاسترسال في القياس ومعارضة النصوص به هو المنقصة، وهو المذمَّة، وأما اعتماد القياس في المسائل التي لا دليل فيها، بل جاء الدليل في نظائرها، فقد جاء ما يدلُّ على القياس من السنة.

على كل حال هذا قول الذي لا يَعتدُّ بقول الظاهرية؛ لأنهم لا يرون القياس.

والقول الثاني: أنهم لا سيما أوائلهم، كداود -رحمه الله-، فهو إمام من أئمة المسلمين، وعنايته بالدليل معروفة، واهتمامه به ظاهر، ولذا يقولون: إن من أولى مَن يُعتنى به ويُعتدُّ بقوله داود؛ لاهتمامه بالسنة، وأيضًا ابن حزم -رحمه الله-، كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- وغيره: إن كل قول يَسنده الدليل فلأبي محمد منه أوفر الحظِّ والنصيب.

على كل حال هم لهم عناية بالدليل، لكن كيفيَّة الاستدلال بالدليل قد يكون فيها شيء من الخلل.

والقول الوسط في هذه المسألة: أنه إذا كان عمدة المسألة نصًّا من الكتاب والسنة، وقد عُرِفوا بالاهتمام بالكتاب والسنة، فقولهم مُعتبَر، أما إذا كان عمدة المسألة اجتهادًا، فلا يُعتدُّ بقولهم حينئذٍ.