اشتمال حفل دار التحفيظ النسائية على أناشيد ومَشاهِد تمثيليَّة

السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لديَّ سؤال هامٌّ جدًّا...
السؤال هو: أننا نود إقامة حفل ختاميٍّ لدار تحفيظ القرآن الكريم، وهذا الحفل يشمل أناشيد ومشاهد تمثيليَّة، والمشاهد التي نعملها سأوضح لك موجزًا منها:
- قاعة اجتماع الكبيرات: يمثلها فتيات صغار، حيث يتناقشنَ حول لبس البنطال وتحريمه، والأغاني وحكمها، ثم في ختام مناقشتهنَّ يوجهنَ رسالة لأُمَّهاتهنَّ بأننا لسنا صغيرات، ولا نريد لبس البنطال، ولا القصير، ولا العاري.
- المشهد الثاني: عن أحوال الأُمَّة الإسلامية، كالتالي: طالبة كأنها منشغلة باللعب على الحاسب، ثم تأتي أخرى وتسألها عن الأخبار، وبعد ذلك يدور نقاش طويل بينهما، وأصوات من داخل الفتاة، وهكذا.
- أما المشهد الثالث: فهو نساء رباهنَّ القرآن، كالتالي: فتيات يأتينَ بحجابهنَّ الكامل، ثم كلٌّ منهنَّ تقرأ قصة عن نساء رباهنَّ القرآن.
وكذلك لدينا نماذج تلاوات من الطالبات.
أما الأناشيد:
- فنشيد ترحيبيٌّ، وهو:
تحيَّاتي أُردِّدها
فتعزفُ وتر أشواقي

لمَن طابَ اللقاءُ بهمْ
وعاشوا بينَ أحداقي

- وآخر عن القرآن، وهو:
كتابُ اللهِ دستورٌ
لكلِّ الخلقِ بلْ نورٌ

- وكذلك عن القرآن:
يا قارئَ القرآنِ يا حافظَ الذِّكرِ
أبشرْ بخيرِ جِنانٍ في ساحةِ الحشرِ

فهل الأناشيد حرام أو بدعة؟ وهل التمثيل كما ذكرتُه فيه شيء؟ أفتونا مأجورين.
وهل هناك ضوابط للتمثيل، مع إعطاء مثال موضِّح؟ وكذلك هل هناك ضوابط للأناشيد؟
وما البديل في هذا الزمن في حالة أن ما سبق حرام؟ علمًا بأن هذه أول دار في منطقة اللَّيث.
الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فإن التمثيل مما اختلف فيه العلماء؛ لما يتجاذبه من مصالح ومفاسد، فمن المصالح: شدُّ المُشاهِد، وإيصال المعلومة الهادفة بطريقة مقبولة مُحبَّبة لدى المُشاهِد، وفيه تنويع في الأداء الدعوي وتفنُّن وتجديد، هذا من جهة، وهي حُجَّة مَن قال بجوازه. ومن جهة أخرى هو كذب؛ لأنه مخالف للواقع، والكذب كما يكون في الأقوال يكون أيضًا في الأفعال، وهو أيضًا مُحدَث لا يوجد عند سلف الأُمَّة وأئمتها.

وبعضم يؤصِّل التمثيل ويستدلُّ له بحديث الثلاثة من بني إسرائيل: الأعمى، والأقرع، والأبرص، ومجيء الملَك لامتحانهم بأمر الله -عزَّ وجلَّ- في صورة أعمى وأبرص وأقرع، والقصة معروفة مُخرَّجة في الصحيح [البخاري: 3464]، ومثله مجيء جبريل -عليه السلام- على صورة دِحْية الكَلْبيِّ -رضي الله عنه- وغيره.

على أن مخالفة الواقع موجودة في المناظرات العلمية التي يُنشئها شخص واحد من أهل العلم، فيتحدَّث على لسان شخص، ثم يتحدَّث على لسان خصمه، كمناظرة بين سُنِّي وقدَري، وسُنِّي وشيعي، وأشعري ومعتزلي، وهكذا، ولا مُناظِر ولا مُناظَر! ومثلها المقامات التي يُنشئها العلماء على ألسنة أشخاص لا حقائق لهم، كقول الحريري: (حَدَّث الحارثُ بن هُمام قال...)، ولا مُحدِّث ولا مُحدَّث!

وقد وُجد نوع بين المناظرات أُسند فيه الكلام لمن لا يتكلَّم أصلًا، وهو في الحقيقة معنى من المعاني، كالمناظرة بين العلوم (قال علم التفسير كذا، وأجابه علم الحديث بكذا، واعترض علم الفقه بكذا، وأجابه علم الكلام بكذا)، وهكذا.

وكلُّ هذا تجاوز فيه أهل العلم لما يترتَّب عليه من مصالح علميَّة لا تخفى.

والمبالغات وهي موجودة في اللغة، بل في النصوص، وهي وإن كان الأصل فيها مُطابِق للواقع إلا أن القدر الزائد عليه لا يُطابِق الواقع، كما قيل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أما أبو جَهْم، فلا يضع عصاه عن عاتقه» [مسلم: 1480]، قال أهل العلم: هذا على سبيل المبالغة. فليس كل ما يُخالِف الواقع بمُحرَّم؛ لما ذكرنا.

والذي أراه وأنصح به أن يَتورَّع الأخيار والدعاة والمصلحون من الذكور والإناث عن هذه الوسائل، ويقتصروا على ما سُبقوا إليه من الوسائل مِن قِبَل سلف هذه الأُمَّة وأئمتها، وكلُّ خيرٍ في اتِّباع مَن سَلَف، لكني لا أرى التشديد والنكير على مَن فعل شيئًا من ذلك، والله الهادي إلى سواء السبيل.

وأما الأناشيد؛ فالأصل في الكلام المباح إذا أُدِّي بلحون العرب من غير مشاركة آلات ومصاحبة مُحرَّمات أنه لا بأس به، كالحداء المعروف في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما إذا كان فيه شيء مُحرَّم كالفاحش من الكلام، أو المبالغات والغلو بالأشخاص، أو صاحَبه آلات، أو كان أداؤه بلحون الأعاجم، فحكمه المنع، وبالله التوفيق.