حفظ مختصرات الصحيحين، والمقارنة بعد حفظها بين حفظ (البلوغ) و(المُحرَّر)

السؤال
هذان سؤالان متقاربان:
- مَن أراد أن يحفظ الصحيحين، فهل يحفظ من (اللؤلؤ والمرجان)، أم من (الجمع بين الصحيحين) للشيخ يحيى؟
- هل ترون لمن حفظ الصحيحين بجمع الشيخ يحيى -وفقه الله- حفظًا قريبًا من المُتقَن أن يحفظ (البلوغ)، أو (المُحرَّر)، خصوصًا أن الألفاظ مختلفة، والمعنى متقارب، وإعادة الحفظ صعبة كما تعلمون، خصوصًا لمن أراد الإتقان؟ وهل الأولى (البلوغ) أو (المُحرَّر)؟ أرجو أن تُجيبوا على هذا السؤال؛ لأن الحاجة إليه ماسَّة، واعذرونا لأنكم مللتم من هذه المسألة؟
الجواب

أولًا: في كتب أحاديث الأحكام كـ(المنتقى) و(المُحرَّر) و(البلوغ) و(الإلمام) وغيرها من كتب أحاديث الأحكام ما لا يوجد في الصحيحين، وطالب العلم بأمسِّ الحاجة إليها، فإذا أراد أن يحفظ الصحيحين، وهم يتجوَّزون ويقولون: (أراد أن يحفظ الصحيحين)، وهم يريدون: الاختصار؛ لأن حفظ الصحيحين يقتضي حفظ (صحيح البخاري) كاملًا؛ بمتونه، وألفاظه، وأسانيده، وصيغه -صيغ الأداء-، وتراجمه، وآثاره الموقوفة والمقطوعة، يعني: من أوَّله إلى آخره، كل ما بين دفتيه، وكذلك من أراد أن يحفظ (صحيح مسلم)، لكن مَن أراد أن يقتصر على المتون المجرَّدة غير المكرَّرة؛ فهذا على خير عظيم، لكن لا يُقارِب ولا يُداني مَن حفظ الأصول؛ لأن في الأصول ممَّا حذفه المختصرون ما طالب العلم بأمسِّ الحاجة إليه؛ لأن هناك أقوالًا للصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين قد لا يُفهم بعضُ الأخبار إلا بها، والذي اختصر الكتاب استفاد فائدة عظيمة بلا شك، وعِلمه بما حَذَف كعلمه بما أَثبَت، هذا المعروف من الاختصار، ولذا نقول: إن من أعظم وسائل التحصيل لطالب العلم الاختصار، فإذا أراد أن يحفظ (البخاري)، أو يحفظ (مسلمًا)؛ يختصر (البخاري) ويختصر (مسلمًا) بنفسه، هذا إذا أراد أن يحفظ مختصرًا، وإذا كانت حافظته تُسعفه لحفظ الكتب بكمالها؛ فهذا هو الغاية، وإذا كانت الحافظة لا تُسعفه لحفظ الأصول، ولا لحفظ المختصرات، وهذا موجود ويعاني منه كثير من طلاب العلم؛ فطريقته في التفقُّه من كتب السُّنَّة هي الطريقة التي كرَّرناها مرارًا بالجمع بين كتب السُّنَّة، فيجمعها بنفسه، ويجعل المِحور (صحيح البخاري) -وإن كان هذا أمرًا مكرورًا، كرَّرناه مرارًا، وملَّه بعض الإخوان، لكن بعض الإخوان ما سمعه-، فأقول: يجمع بين الكتب الستة، والحمد لله كلُّ شيء مخدوم، وكلُّ شيء متيسِّر، لكن لا يعتمد على الآلات، ويقول: (سأستخرج الحديث من "صحيح مسلم"، وأُضيفه إلى "البخاري" من خلال البرامج الكمبيوترية والحواسب)! لا؛ لأنه ما يستفيد، فكأنه جَمَعه غيرُه، لكن إذا وقف على الحديث الأول من (صحيح البخاري)، وجمع جميع الألفاظ والأسانيد والتراجم في (صحيح البخاري)، ووضعها وسردها مرتَّبة في موضع واحد -وهي سبعة مواضع-، ثم نظر في (صحيح مسلم)، ووقف عليه بنفسه، ونقل ألفاظه وأسانيده، ثم بعد ذلك (سنن أبي داود)، ثم بعد ذلك (الترمذي)، ثم (النسائي)، ثم (ابن ماجه)، وأقول: الجادُّ يحتاج إلى خمس سنوات للجمع بين الكتب الستة بهذه الطريقة، لكن أنا كفيل بأن يكون طالب العلم على خبرة ودراية تفصيليَّة بالكتب الستة خلال خمس السنوات، وخمس السنوات مثل ما رأيتم مضتْ وما عملنا شيئًا، بل مضى عشر، بل مضى عشرون، أو أكثر، وكلُّ واحد يُمنِّي نفسه أن يطلب العلم، وأن يطلب الحديث، وأن يتفقَّه من الحديث، ومع ذلك هو مكانه ما فعل شيئًا!

فأقول: الذي لا تُسعفه حافظته للحفظ يستعمل هذه الطريقة، وسيتعب، ولا شك أن هذه الطريقة مُتعِبة وشاقَّة، ولكن العلم لا يثبت ولا ينحفر في القلب إلا بالتعب، أما مجرَّد مسح ضوئي كما يفعل بعض الناس، ويُمنِّيهم مَن يقوم ببعض البرامج التدريبية من البرمجة العصبية، ويقول: (أبدًا، أنا كفيل بأنك إذا التحقتَ بهذه البرامج إلى آخرها أن تحفظ "البخاري" في يوم، فقط مجرَّد إمرار -مسح ضوئي-، وبعد ذلك يكون "البخاري" في رأسك)! هذا لو كان خيرًا لسبقونا إليه، فأهل العلم كابدوا، وجاهدوا، وصبروا على شدائد التحصيل والطلب، ولا يمكن أن يحصل هذا العلم الذي هو رفعة في الدنيا والآخرة إلا بتعب، وإلا لو كان يسيرًا لصار الناس كلُّهم علماء، فكلُّ شخص يتمنَّى أن يكون عالمًا؛ لأن الجهل نقص، والعلم كمال، ولا أحد يطلب لنفسه النقص، إلا أن الكسل والخمول والصوارف، وكون هذا العلم ممَّا يوصِل إلى الجنة، والجنة حُفَّتْ بالمكاره، فهذا مكروه لدى النفوس؛ لأنه جِدٌّ، والجِدُّ لا تطيقه النفوس، لكن مع ذلك لا علم إلا بتعب، و"لا يُستطاع العلم براحة الجسم".

(وهل الأولى "البلوغ" أو "المُحرَّر"؟ أرجو أن تُجيبوا على هذا السؤال؛ لأن الحاجة إليه ماسَّة، واعذرونا لأنكم مللتم من هذه المسألة؟)، صحيح كرَّرناها مرارًا، أقول: لو أن طالب العلم يُعنى بزوائد (البلوغ) على (المُحرَّر)، -ورأيتُ بعضَ الإخوان فعلها-، يعني: يكون الأصل (المُحرَّر)، وهو الأصل بالفعل؛ لأنه أقدم، ومع ذلك كلام ابن عبد الهادي على الأحاديث أمتن من كلام ابن حجر على الأحاديث، وهو في العِلل أمكن من ابن حجر؛ فلذلك نقول: يجعل الأصل (المُحرَّر)، ويُضيف إليه زوائد (البلوغ).

(هل يحفظ من "اللؤلؤ والمرجان"، أم من "الجمع بين الصحيحين" للشيخ يحيى؟)، على كلِّ حال كلاهما مفيد ونافع، لكن أنا أُفضِّل أن يجمع بين الصحيحين بنفسه، إذا أراد الاقتصار على الصحيحين.