كتاب الغسل (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يسأل يقول: هل التاريخ الصغير للبخاري مطبوع؟ وما أفضل طبعات التاريخ الكبير؟

التاريخ الصغير مطبوع بالهند قديمًا، وجُدِّد طبعه بالهند أيضًا وطبع بعد ذلك بمكتبة دار الوعي بحلب محققًا، وطبع التاريخ الأوسط محققًا أيضًا وهو في حقيقته التاريخ الصغير، قالوا: إن التاريخ الصغير المطبوع هو الأوسط، قالوا: هذا التاريخ المطبوع باسم التاريخ الصغير هو الأوسط. وقال بعضهم: إن المراد بالتاريخ الصغير هو الضعفاء في البخاري، كتاب صغير في الضعفاء، وهو أيضًا مطبوع ومعروف. أفضل طبعات التاريخ الكبير الطبعة الهندية بعناية الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في ثمانية مجلدات هي أفضل الموجود، بل هي الموجودة الآن وما تفرع عنها هي بالمصورات عنها.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

التاسع بيان خطأ البخاري في تاريخه..

نعم.

طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم. كِتَابُ الغُسْلِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]، وَقَوْلِهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43]".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم. كِتَابُ الغُسْلِ"، وتقدم في نظائره أن البسملة تقدم قبل الترجمة في كثير من النسخ، وفي بعضها العكس: تكون الترجمة قبل البسملة. ولكلٍّ وجه، فتقديم البسملة من باب البداءة بذكر الله، وتقديم الترجمة نظير اسم السورة في القرآن، اسم السورة مقدم في القرآن على البسملة، وسواء تقدمت البسملة أو تقدمت الترجمة فالأمر سهل، ولكلٍّ وجه. قلنا: إن تقديم البسملة للبداءة بذكر الله، وتقديم الترجمة إنما هو من باب التنظير بما جاء في كتاب الله من تقديم اسم السورة على البسملة.

"كِتَابُ الغُسْلِ"، الغُسل والغَسل والغِسل بكسر الغين، فالعين مثلثة، فالغُسل هو الاغتسال، فعل المكلف في غسل بدنه. والغَسل هو المصدر، غسل يغسل غسلاً، ويدخل فيه الغُسل ويدخل فيه غيره من غسل بعض الأعضاء أو غسل الثياب أو غير ذلك، هو المصدر. والغِسل قالوا: ما يُغسل به، يعني ما يوضع مع الماء، يُغسل به كالخطمي والأشنان والصابون وغيرها من المنظفات التي توضع مع الماء للتنظيف.

"وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}"، والمراد بالتطهر هنا الغسل، وهذا في آية المائدة. وفي آية النساء: {وَلاَ جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}، وفي آية المائدة قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}، وفي آية النساء: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}. التطهر أعم، ففيه نوع إجمال. والاغتسال أخص. وتقديم المجمل على المبين معروف عند أهل العلم، يُبدأ بالمجمل ثم يُتبع بالمبين، لماذا؟ لأنه لو قدَّم المبين لم نحتج إلى المجمل. مثل ما يقولون في النسب، إذا ذكروا الأنساب يبدؤون بالأعم، ثم يتبعونه الأخص، يقولون: الأنصاري الخزرجي؛ لأنهم لو قالوا: الخزرجي في بداية الكلام ما احتاجوا إلى الأنصاري، يقدمون الأعم ثم الأخص؛ لأنه لا حاجة إذا قيل: الخزرجي ما يحتاج أن يقال: الأنصاري، إلا إذا كان الأخص مشتركًا بين قبيلتين مثلاً فلا يستغنى به عن الأعم. فبعض القبائل فيها فرع موافق لفرع بنفس الاسم من قبيلة أخرى.

 يعني عندنا في عصرنا إذا قلت: العصيمي هل تكتفي به؟ ما تكتفي به، لماذا؟ لأنه فيه عتبان وفيه من تميم، لا تكتفي به، لا بد أن تبين، تأتي بالأعم، تقول: التميمي أو العتيبي، أو ما أشبه ذلك، هذا مثال، لكن ننبه على مثل هذا في ترتيب الأنساب. وهنا قدم اللفظ المجمل في آية المائدة، وإلا فالأصل التقديم لآية النساء؛ لأن النساء متقدمة على المائدة في ترتيب السور.

{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، إن كنتم على سفر فتيمموا، أو جاء أحد منكم من الغائط فتيمموا، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا.

فقوله: {فَتَيَمَّمُوا} في جواب شرط، والشرط داخل فيه أشياء كلها يصلح لها الجواب، فهل مجرد المرض مبيح للتيمم؟ وهل مجرد السفر مبيح للتيمم؟ أو مجرد قضاء الحاجة مبيح للتيمم؟ {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} على الخلاف في هذا اللفظ هل يراد به اللمس أو الجماع؟ خلاف بين أهل العلم، {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} هذا القيد يرجع إلى أيش ؟ إلى الجمل كلها، إلى الألفاظ كلها، أو إلى الأخيرة فقط؟

طالب: .......

على الجميع؟

طالب: .........

لأن فيه من يرى أنه بمجرد السفر يتيمم، ولو كان عنده ماء، في كلام الشوكاني في السيل الجرار وكلام صديق وكل من يقول بقولهم يقول: السفر مبيح للتيمم ولو كان عنده ماء، فهل هذا الكلام صحيح؟ الله -جَلَّ وعَلا- يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} فلم يبح التيمم إلا مع فقدان الماء في جميع هذه الصور.

{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ} يعني من الحدث الأصغر الموجب للوضوء. {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} قالوا: هذا موجب للحدث الأكبر وهو الجماع، ومنهم من يقول: إن ملامسة النساء أعم من أن تكون بجماع أو مجرد لمس. {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}: اقصدوا الصعيد الطيب الصاعد على وجه الأرض الطاهر، {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، ثم ذكر صفة التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} التيمم يمسح فيه الوجه واليدان فقط دون بقية الأعضاء. {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}، وسيأتي في كتاب مستقل بعد كتاب الغسل. {وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} تبعيض هنا يدل على أنه لا بد من أن يصيب الممسوح شيء من الصعيد الطيب، ولذلك يشترط بعضهم أن يكون المتيمم به له غبار يعلق باليد ليتحقق التبعيض. {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}.

طالب: .........

 نعم.

طالب: .........

 إذا بحث قريبًا منه فلم يجد إلا بمشقة أو بمكان بعيد يشق عليه، المسألة مفترضة في غير السيارات وما السيارات من قبل كانت فيه مشقة عظيمة، ولو كان كيلو، لكن الآن الكيلو ما هو بشيء.

طالب: .......

هذا الأصل من قوله: {مِنْهُ}، ولذلك في حديث الخصائص يقول النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»، والأرض أشمل من التراب.

طالب: .......

لحظة لحظة خلني أفصِّل لك المسألة. الأرض أعم من التراب، «الأرض» يعني يشمل جميع ما على وجه الأرض ولو كان زراعة أو فرشًا أو ما أشبه ذلك. في الحديث الآخر وهو في صحيح مسلم: «وجلعت تربتها لي طهورًا». هل الأرض ذات أفراد أو ذات أوصاف؟ ذات أفراد التراب من أفرادها، أو التراب وصف من أوصاف الأرض.

طالب: .......

من أفرادها؟ ....... يا إخوان؟ ما الذي يترتب عليه؟ يترتب عليه هل هو تقييد أو تخصيص؟ إذا كان من الأفراد فهو تخصيص، وحينئذٍ إذا قلنا: تخصيص، فذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام ما يقتضي التخصيص، إنما يكون للاهتمام به والعناية بشأنه، فيجوز أن يتيمم بكل ما على وجه الأرض، والتراب أفضلها وأولاها، وإذا قلنا: تقييد فيحمل المطلق على المقيد، ولا يجوز التيمم بغير التراب، وقال بهذا إمامان من الأئمة، وقال بهذا إمامان من الأئمة الأربعة، منهم من يقول: لا يجزئ إلا التراب؛ لأن الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «وجعلت تربتها لنا طهورًا»، ومنهم من يقول: يجزئ كل ما تظاهر وتصاعد على وجه الأرض وهو الصعيد. لكن {مِنْهُ}؟ أنت لو فرشت لتوك مفروشة جديدة وتيممت يعلق بيدك ووجهك منها شيء؟ فالتبعيض هذا يدل على أنه لا بد أن يبقى في اليد والوجه شيء. التبعيض هل له أثر؟ النجاسة العينية، هل له أثر فيها؟ هل له أثر فيها؟ الحدث المعنوي له أثر، أما الحسي شخص جاء من الغائط وليس عنده ما يستنجي به ولا يستجمر هل نقول: تيمم ليخفف، أو نقول: يسقط إذا لم يجد ما يتيمم به ولا يستجمر ربه ويبقى عليك أن تتيمم في الوضوء؟ ماذا عندك في المسألة؟

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

 يعني إذا جئت محدثًا حدثًا أصغر فلم تجد ماءً فتيمم صعيدًا طيبًا، وإذا جئت من الحدث الأكبر فلم تجد ماءً فتيمم صعيدًا طيبًا، والتيمم لماذا؟ من أجل أيش؟ من أجل الصلاة أو ما تُزاول به من العبادات إلا بالطهارة، «الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، وإذا وجد الماء فليتقّ الله وليمسَّه بشرته». ومن حيث المعنى لا شك أن التيمم لا أثر له بإزالة النجاسة العينية، وهو يرفع الحدث رفعًا مؤقتًا حتى يجد الماء، ما هو برفع مطلق بمعنى أنه إذا أجنب ثم لم يجد الماء تيمم، خلاص ارتفعت جنابته، فإذا وجد الماء خلاص ما يغتسل، «فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته».

ثم هذا الإمساس هل هو لما مضى من حدث أو لما يُستقبل؟

طالب: .........

 ماذا؟

طالب: .........

 «فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته»، يعني لما مضى، معناه إذا كانت عليه جنابة، ثم وجد الماء تيمم لها، ثم وجد الماء ما يتيمم، اغتسل؛ لأن حدثه ارتفع بالتيمم، يعني رفعًا مطلقًا لا مؤقتًا. واللفظ محتمل لهذا وهذا، ولكن كونه لما مضى من الأحداث «وليمسه بشرته» لما يستقبل هذا ما جاء بجديد الحديث، أجاء بجديد؟ ما جاء بجديد، وإذا قلنا: «وليمسه بشرته» للحدث الذي مضى وارتفع بالتيمم رفعًا مؤقتًا، قلنا: هذا مؤسس لحكم جديد، وسيأتي الكلام على التيمم بفروعه هناك إن شاء الله.

طالب: .......

لا يذكرون لكن بقلة.

{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}، شرع التيمم لرفع الحدث، ولو كان الحدث لا يرتفع إلا بالماء يشق على الناس، رجل واقع قد يمكث الأيام ما وجد الماء، ولكن {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ما تتم هذه النعمة التي هي قرة العين الصلاة إلا بهذا، ولو ربطنا رفع الحدث الذي لا تصح الصلاة إلا به بوجود الماء فقد لا يوجد، قد تمضي الأيام والإنسان ما يصلي، ينتظر الماء. {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

وَقَوْلِهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ- يعني في آية النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ} ما قال: لا تصلوا، يقول: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ} يعني اجتنبوا وابتعدوا والحال أنكم سكارى، {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}، وهذا قبل البت والجزم بتحريم الخمر، {وَلاَ جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}، المقصود هنا مكان الصلاة، المسجد، {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} طريق {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}، يعني عبور السبيل كونه أقرب طريق حاجة إلى أهل العلم، يعني تدخل من هذا الباب وتطلع هذا عابر سبيل، هو حاجة، لكن لو وُجد ما يقوم مقامه بما يساويه فعليه أن يسلكه فلا يقرب المسجد حتى يغتسل ولا يمكث فيه، يعني إذا كان ما هناك مرجح كالحاجة مثلاً، العلماء يقولون كونه أقرب طريق حاجة.

{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}، {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} ما فيه {مِنْهُ} كما في آية المائدة، فهل نقول: إن هذه الآية تدل على أنه مجرد المسح ولو لم يبقَ فيه شيء مجزئ؟ يقول به من يرى ذلك، لكن القيد موجود في آية غير موجود في أخرى، يقول: مقيدة بالتبعيض آية المائدة وهي متأخرة عن آية النساء، وهذا مما يرجح قول الشافعي وأحمد أنه لا بد من أن يكون بتراب، إضافة إلى الحديث الوارد في صحيح مسلم: «وجلعت تربتها». وإذا قلنا: إنه من باب العموم والخصوص فلا يلزم، فيكون التراب أولى، ويحرص عليه أكثر من غيره، ولا يستقل برفع الحدث في هذا الباب الذي هو التيمم.

طالب: .........

 {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43].

نعم.

طالب: قال الإمام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "قوله: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الغسل، كذا في روايتنا بتقديم البسملة، وللأكثر بالعكس".

ما الرواية؟

طالب: أبي ذر.

في رواية أبي ذر؛ لأن ابن حجر اعتمدها من شيوخه الثلاثة، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة.

طالب: "كذا في روايتنا بتقديم البسملة، وللأكثر العكس، وقد تقدم توجيهه ذلك".

وذكرنا التوجيه آنفًا.

طالب: "وحذفت البسملة من رواية الأصيلي وعنده: باب الغسل".

ليس بكتاب، إنما هو باب، فيكون داخلاً في الكتاب الذي قبله، وحينئذٍ يؤول الوضوء بما هو أعم من ذلك، وهو كتاب الطهارة.

طالب: "وعنده باب الغسل، وهو بضم الغين اسم للاغتسال، وقيل: إذا أريد به الماء فهو مضموم، وأما المصدر فيجوز فيه الضم والفتح؛ حكاه ابن سِيده وغيرِه".

وغيرُه.

"وغيرُه، وقيل: المصدر بالفتح، والاغتسال بالضم"، يا شيخ يشير عندنا هنا لسقط.

ماذا يقول؟

طالب: يقول: وفي أ عند قوله:  وأما المصدر: وإذا أريد به الفعل فيجوز فيه الضم والفتح.

ماذا عندك؟

طالب: وإذا أريد به الفعل فيجوز فيه الضم والفتح.

وأما المصدر.

طالب: وأما المصدر إذا أريد به الفعل فيجوز فيه الضم والفتح.

الفعل، ما معنى الفعل؟

طالب: .......

الذي هو الاغتسال، طيب المصدر الغَسل يشمل الاغتسال والوضوء وغسل الثوب وغسل... أعم، نعم.

طالب: "وقيل الغَسل بالفتح فعل المغتسل، وبالضم الماء الذي يغتسل به، وبالكسر ما يجعل مع الماء كالأشنان. وحقيقة الغُسل جريان الماء على الأعضاء، واختلف في وجوب الدَّلك فلم يوجبه الأكثر، ونقل عن مالك والمزني وجوبه، واحتج ابن بطال".

نعم، المعروف في مذهب مالك أن الدلك واجب.

طالب: .........

والوضوء.

 لكن الغسل واجب والتدلك سنة           وهما في مذهب مالك فرضان

 الإمام القحطاني. نعم.

طالب: "واحتج ابن بطال بالإجماع على وجوب إمرار اليد على أعضاء الوضوء عند غَسلها، قال: فيجب ذلك في الغسل قياسًا لعدم الفرق بينهما".

لكن من أقر هذا الإجماع، وهو إمرار اليد، بل العكس: يسمى الغسل ينطلق على وقوع الماء على العضو، ولو لم تمسه اليد، وقال: غسله المطر، وغسله العرق، فالغسل يحصل بدون ذلك.

طالب: "وتُعقب بأن جميع من لم يوجب الدلك أجازوا غمس اليد في الماء للمتوضئ من غير إمرار فبطل دعوى الإجماع وانتفت الملازمة.

قوله: وقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، قال الكرماني: غرضه بيان أن وجوب الغسل على الجنب مستفاد من القرآن.

قلت: وقدم الآية التي من سورة المائدة على الآية التي من سورة النساء لدقيقة، وهي أن لفظ التي في المائدة {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فيها إجمال، ولفظ التي في النساء: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] ففيها تصريح بالاغتسال وبيان للتطهير المذكور. ودل على أن المراد بقوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا} فاغتسلوا، قولُه تعالى في الحائض: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] أي اغتَسَلن اتفاقًا، ودلت آية النساء على أن استباحة الجنب للصلاة وكذا اللبث في المسجد يتوقف على الاغتسال. وحقيقة الاغتسال غسل جميع الأعضاء مع تمييز ما للعبادة عما للعادة بالنية".

نعم.

طالب: قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ الوُضُوءِ قَبْلَ الغُسْلِ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي المَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ».

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُضُوءهُ لِلصَّلاَةِ، غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأَذَى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا؛ هَذِهِ غُسْلُهُ مِنَ الجَنَابَةِ»".

يقول الإمام -رَحمةُ اللهِ عَليهِ-: "بَابُ الوُضُوءِ قَبْلَ الغُسْلِ"، ثبت عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنه كان يتوضأ قبل الغسل، وأمر به، أي الوضوء قبل الغسل: «توضأ وضوءك للصلاة». ثم ذكر الحديث عن عبد الله بن يوسف التنيسي، قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ" الإمام ابن أنس إمام دار الهجرة، "عَنْ هِشَامٍ" ابن عروة بن الزبير، "عَنْ أَبِيهِ" عروة بن الزبير، "عَنْ" خالته "عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ»"، بدأ فغسل يديه كما يتوضأ وضوءه للصلاة، يتوضأ ويغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، وإذا كان عليهما، قد أصابهما شيء من القذر فإنه يغسلهما من أجل ذلك، وبعد ذلك يغسل فرجه، كما سيأتي في بعض الروايات.

«بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ» يعني بعد أن يغسل يديه، ويغسل فرجه وما لوثه، "«ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة»" وصفة الوضوء تقدمت. "«ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي المَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ»" يعني شعر رأسه وشعر لحيته، فإذا توضأ يخلل لحيته وإذا اغتسل يخلل رأسه ولحيته. "«ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره»"، إذا كان الشعر كثيفًا تعين التخليل، وإذا كان خفيفًا بحيث يصل الماء إلى أصول الشعر من غير تخليل كفا.

 "«ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ»" يصب على رأسه ثلاث غرفات بعد أن يخلل شعره، "«ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ»"، وإن بدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر فهو الأكمل، وإن عمم البدن بعد غسل الرأس كفى كما ورد في هذا الحديثُ. وما فيه حديث صريح من فعله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنه يقدم شقه الأيمن ثم الأيسر إلا في حديث غسل الجنازة. "«ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه»" يعني كلتيهما، "«ثم يفيض على جسده كله»".

نعم.

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله باب الوضوء قبل الغسل،
أي استحبابه. قال الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ- في الأم: فرض الله تعالى الغسل مطلقًا لم يذكر فيه شيئًا يُبدأ به قبل شيء"
.

يعني ما يحتاج إلى ترتيب الغسل، لا يحتاج إلى ترتيب، والوضوء استحباب، الوضوء قبل الغسل، يعني لو عم جسده بالماء كفى وارتفع حدثه.

طالب: (فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغَسل جميع بدنه، والاختيار في الغسل ما روت عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنها-، ثم روى حديث الباب عن مالك بسنده وهو في الموطأ كذا قال ابن عبد البر".

 وهو في الموطأ كذلك، قال ابن عبد البر.

طالب: "وهو في الموطأ كذلك، قال ابن عبد البر: هو من أحسن حديث رُوي في ذلك. قلت: وقد رواه عن هشام وهو ابن عروة جماعة من الحفاظ غير مالك كما سنشير إليه. قوله: «كان إذا اغتسل» أي شرع في الفعل).

لأن الفعل الماضي- وأشرنا إليه مرارًا- يطلق ويراد به الحدث في الزمن الماضي وهو الأصل، الحدث في الزمن الماضي هذا هو الأصل، ولذلك قال له: فعل ماضٍ، ويطلق ويراد به الشروع في الفعل كما هنا، «فإذا ركع فاركعوا» ومعناه إذا مضى في الزمان الماضي، أو الاحتمال الثالث إذا أراد كما في قوله: «إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل» يعني إذا أراد دخول الخلاء، وفُسر ذلك في رواية في نفس الباب.

طالب: «من» في قوله «من الجنابة» سببية".

يعني بسبب الجنابة. نعم.

طالب: "قوله: «بدأ فغسل يديه» يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر، وسيأتي في حديث ميمونة تقوية ذلك، ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام".

لأنه يقول: «غسل فرجه وما أصابه من الأذى»، يعني مما يستقذر.

طالب: "وسيأتي، ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام: «قبل أن يدخلهما في الإناء» رواه الشافعي والترمذي، وزاد أيضًا: «ثم يغسل فرجه»، وكذا لمسلم من رواية أبي معاوية".

أبو معاوية الضرير محمد بن خازم.

طالب: "ولأبي داود من رواية حماد بن زيد كلاهما عن هشام، وهي زيادة جليلة؛ لأن بتقديم غسله يحصل الأمن من مسه في أثناء الغسل".

إذا غسل فرجه قبل أن يبدأ بالغسل لا يحتاج إلى غسله ومباشرته أثناء الغسل.

طالب: "قوله: «كما يتوضأ للصلاة» فيه احتراز عن الوضوء اللغوي".

نعم. الوضوء اللغوي يُطلق ويراد به ما يناسب المقام، مثل غسل اليدين، «توضئوا من اللبن» المراد به الوضوء اللغوي وهو المضمضة.

طالب: "ويحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سُنةً مستقلةً، بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل".

يعني سنة مستقلة فيعاد غسل أعضاء الوضوء مع الغسل، وإذا قلنا: إن هذا الوضوء جزء من الغسل فما يحتاج إلى أن يغسل أعضاء الوضوء مع الغسل، ويدل عليه رواية: «ثم غسل سائر جسده»، والسائر يطلق ويراد به الباقي.

طالب: "ويحتمل أن يكتفي بغسلها في الوضوء عن إعادته، وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو، وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفًا لها، ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى، وإلى هذا جنح الداودي شارح المختصر من الشافعية فقال: يقدم غسل أعضاء وضوئه على ترتيب الوضوء، لكن بنية غسل الجنابة. ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وهو مردود، فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدِث).

يعني ما تدخل الطهارة الصغرى في الطهارة الكبرى؛ لأن القاعدة: إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد كما هنا في الوضوء والغسل وليست إحداهما مقضية والأخرى مؤداة تدخل الصغرى في الكبرى. في الغسل أو في تغسيل الميت قال النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لأم عطية في غسل ابنته: «ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها». فيه تعارض بين الجملتين؟ تقدم أعضاء الوضوء ثم الميامن، والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «ابدأن بميامنها» هو قال هكذا -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها»، فالجملتان في بادئ الرأي بينهما تنافر؛ لأن مقتضى «ابدأن بميامنها» أن تقدم الرجل اليمنى على اليد اليسرى، ومقتضى الجملة الثانية: «ومواضع الوضوء» يعني وابدأن بمواضع الوضوء منها أن تقدم اليد اليسرى على الرجل اليمنى. في حل لهذا الإشكال؟

طالب: .........

 ماذا؟

طالب: .........

 إشكال وارد أم ما هو بوارد، لكن حله كيف تجده؟

طالب: .......

يقول: «ابدأن بميامنها».

طالب: .........

 ما هي بمثل غسل الحي يُبدأ بمواضع الوضوء ثم الغسل، وفي الغسلات التي لا وضوء فيها يُبدأ بالميامن، وفي الغسلة التي فيها الوضوء يبدأ بمواضع الوضوء.

طالب: .......

نعم.

طالب: .........

يعني يقدم رجله اليمنى على يده اليسرى؟ ما قال بهذا أحد.

طالب: .......

لا، العطف على نية تكرار العامل: ابدأن «بميامنها» وابدأن «بمواضع الوضوء منها».

طالب: .........

 وابدأن تكرار العامل، وابدأن الغسلة التي فيها الوضوء كما قال أهل العلم يبدأ بمواضع الوضوء، والغسلات الأخيرة من السبع، لأنها تُغسل ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا إن رأيتن ذلك كما في حديث أم عطية، في بقية الغسلات كلها يُبدأ بالميامن.

طالب: "قوله: «فيخلل بها» أي بأصابعه التي أدخلها في الماء، ولمسلم: «ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر»، وللترمذي والنسائي من طريق ابن عيينة: «ثم يُشرب شعره الماء». قوله: «أصول الشعر»، وللكشميهني: «أصول شعره» أي شعر رأسه، ويدل عليه رواية حماد بن سلمة عن هشام عند البيهقي: «يخلل بها شق رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك»، وقال القاضي عياض: احتج به بعضهم على تخليل شعر اللحية في الغسل).

اللحية؛ لأن الموجود شعر الجسد، وهذا خطأ: (تخليل شعر اللحية).

طالب: "وقال القاضي عياض: احتج به بعضهم على تخليل شعر اللحية في الغسل إما لعموم قوله: «أصول الشعر»، وإما بالقياس على شعر الرأس. وفائدة التخليل: إيصال الماء إلى الشعر والبشرة، ومباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء، وتأنيس البشرة؛ لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به".

يعني تأنس بالماء لا سيما في الأوقات الباردة أو الحارة، يعني إذا خُلل برفق، بخلاف ما لو باشره بالصب قبل ذلك، لا شك أن الجسد يقشعر من الماء البارد، لكن لو بُل قبل ذلك وخلل أنس به الشعر والرأس.

طالب: "ثم هذا التخليل غير واجب اتفاقًا، إلا إن كان الشعر ملبدًا بشيء يحول بين الماء وبين الوصول إلى أصوله، والله أعلم.

 قوله: «ثم يدخل» إنما ذكره بلفظ المضارع وما قبله مذكور بلفظ الماضي وهو الأصل لإرادة استحضار صورة الحال للسامعين".

استحضار صورة الحال؛ لأن المضارع للتجدد والحدوث.

طالب: "قوله: «ثلاث غرف» بضم المعجمة وفتح الراء جمع غَرفة وهي قدر ما يُغرف من الماء بالكف، وللكشميهني: «ثلاث غرفات» وهو المشهور في جمع القلة، وفيه استحباب التثليث في الغسل، قال النووي: ولا نعلم فيه خلافًا إلا ما تفرد به الماوردي، فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل.

 قلت: وكذا قال الشيخ أبو علي السنجي في شرح الفروع، وكذا قال القرطبي، وحمل التثليث في هذه الرواية على رواية القاسم عن عائشة الآتية قريبًا، فإن مقتضاها أن كل غرفة كانت في جهة من جهات الرأس، وسيأتي في آخر الكلام على حديث ميمونة زيادةٌ في هذه المسألة".

يعني في كل جهة من جهات الرأس، غرفة للجهة اليمنى وغرفة لليسرى وغرفة لوسط الرأس، فلا يكون فيه تكرار، ولكن هذا فيه تكلف.

طالب: "قوله: «ثم يفيض» أي يُسيل، والإفاضة الإسالة، واستدل به من لم يشترط الدلك وهو ظاهر، وقال المازري: لا حجة فيه؛ لأن أفاض بمعنى غسل، والخلاف في الغسل قائم".

يعني هل يدخل في مسماه؟ خلاف الغسل قائم، هل يدخل في مسماه الدلك أو لا يدخل؟ تقدم الكلام في ذلك، والجمهور يستندون إلى اللغة، وفي اللغة: غسله المطر، فيه دلك؟ غسله العرق، ما فيه دلك، فاللغة تدل على أن الدلك ليس من مسمى الغسل.

طالب: "قلت: ولا يخفى ما فيه والله أعلم، وقال القاضي عياض: لم يأت في شيء من الروايات في وضوء الغسل ذِكر التكرار. قلت: بل ورد ذلك من طريق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبي سلمة عن عائشة أنها وصفت غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة الحديث، وفيه: «ثم يتمضمض ثلاثًا ويستنشق ثلاثًا ويغسل وجهه ثلاثًا ويديه ثلاثًا ثم يفيض على رأسه ثلاثًا».

قوله: «على جلده كله» هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعد ما تقدم، وهو يؤيد الاحتمال الأول أن الوضوء سنة مستقلة قبل الغسل، وعلى هذا فينوي المغتسل الوضوء إن كان محدثًا وإلا فسنة الغسل. واستدل بهذا الحديث على استحباب إكمال الوضوء قبل الغسل، ولا يؤخر غسل الرجلين إلى فراغه، وهو ظاهر من قولها: «كما يتوضأ للصلاة»".

والوضوء للصلاة ما فيه تفريق بين الرجلين وبقية الأعضاء، لكن جاء في أحاديث صحيحة: «ثم تنحى فغسل رجليه»، وهذا محمول على ما إذا كان المكان الذي اغتسل فيه فيه طين أو فيه شيء يلوث الرجلين فيبتعد عن المكان ويغسل رجليه.

طالب: "واستدل بهذا الحديث على استحباب إكمال الوضوء قبل الغسل، ولا يؤخر غسل الرجلين إلى فراغه، وهو ظاهر من قولها: «كما يتوضأ للصلاة»، وهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من هذا الوجه، لكن رواه مسلم من رواية أبي معاوية عن هشام فقال في آخره: «ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه»".

و«ثم» للترتيب، «أفاض على سائر جسده» هذا الغسل، «ثم غسل رجليه».

طالب: "وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام، قال البيهقي: هي غريبة صحيحة. قلت: لكن في رواية أبي معاوية عن هشام مقال، نعم له شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي فذكر حديث الغسل كما تقدم عند النسائي وزاد في آخره: «فإذا فرغ غسل رجليه»، فإما أن تُحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها: «وضوءه للصلاة» أي أكثره، وهو ما سوى الرجلين، أو يحمل على ظاهره، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء، ويحتمل أن يكون قوله في رواية أبي معاوية: «ثم غسل رجليه» أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء، فيوافق قوله في حديث الباب: «ثم يفيض على جلده كله»".

ثم قال بعد ذلك الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ" وهو الفريابي، وجزم الكرماني بأنه البيكندي، وسفيان هو الثوري والكرماني يقول: ابن عيينة، وابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- يقول: لا أدري من أين له ذلك؟ ولقائل أن يقول: وأنت من أين لك ذلك؟ أنت تقول: الفريابي، وهو يقول: البيكندي، ومحمد بن يوسف الفريابي من شيوخ البخاري، ومحمد بن يوسف البيكندي من شيوخ البخاري، وسفيان بن عيينة روى عنه البخاري بواسطة، وسفيان الثوري روى عنه البخاري بواسطة. فليس جزم ابن حجر بأولى من جزم الكرماني، لكن يبقى أن عناية ابن حجر في الصحيح في متونه وأسانيده أكثر من عناية الكرماني. الكرماني إنما يشرح اللفظ الذي أمامه من غير تصور للمواضع الأخرى، قد يكون ابن حجر اعتمد على مواضع أخرى من الصحيح فيها هذا الحديث. وفيه كتب اهتمت بتمييز المهمل من الرواة، أبو علي الغساني وغيره اهتموا ببيان المهمل مثل هذا.

وعلى كل حال لو ما وصلنا إلى حقيقة الحال وترددنا بين الفريابي والبيكندي فكلاهما ثقة، أو الثوري أو ابن عيينة لا يتأثر الخبر، بل هو صحيح على كل حال.

طالب: .......

يجوز؟

طالب: .......

ابن حجر جزم أنه الفريابي.

طالب: .......

القسطلاني عالة على ابن حجر، تجد في القسطلاني خلاصة الشرحين العيني وابن حجر، هو خلاصة الشرحين.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .........

أي باب؟ الثامن. هذا آخر باب، مائتين وكم؟

طالب: .......

مائتين وستين قريب، الرابع يصير.

طالب: .......

ما هو؟

طالب: …....

كيف يكون الباب الثاني؟ الثاني سبع وخمسين، الثامن من باب الغسل يعني رقم 260، الثالث من مواضع وروده.

يقول الإمام البخاري: "حدثنا عبد الله بن الزبير" الحميدي "قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ".

طالب: .........

 من قال: إنه سفيان؟ البخاري ما فيه.

طالب: .......

تعني به ....... أي شرح؟ نحن نستشهد بقول ابن حجر، على قول ابن حجر على غيره، هذا لو جاء في المتن أنه ورد مبينًا معينًا في رواية عند البخاري، أما لو شرح ابن حجر فشرحه ابن حجر هناك كما هو شرحه في .......، لكن الذي يجعلنا نرجح كلام ابن حجر عنايته في الصحيح، الكرماني ما يدانيه ولا يقاربه في هذا.

طالب: .......

نعم.

"قال: حدثنا سفيان" هو عند ابن حجر الثوري، وقال الكرماني بأنه ابن عيينة وهو الموافق للقاعدة التي قعَّدها الذهبي في آخر الجزء السابع من سير أعلام النبلاء، فإنه يقول: إذا كانت الواسطة واحد فهو ابن عيينة، وإن كانت الواسطة اثنين فهو الثوري؛ لقدم وفاته، وتقدم من الأمثلة ما يختلف مع هذه القاعدة.

"عَنِ الأَعْمَشِ" سليمان بن مهران، "عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ" هؤلاء كلهم تابعيون الثلاثة: الأعمش وسالم، وكريب مولى ابن عباس، كلهم تابعيون ثلاثة يروي بعضهم عن بعض، وهذا موجود وبكثرة، أقل منه الأربعة يروي بعضهم عن بعض من التابعين، وأقل من ذلك الخمسة يروي من التابعين بعضهم عن بعض، والنادر جدًّا الستة يروي بعضهم عن بعض في طبقة واحدة من التابعين، وهذا وجد في حديث واحد يتعلق بقراءة سورة الإخلاص، ويقول النسائي: هو أنزل إسناد في الدنيا، وصنف فيه الخطيب البغدادي جزءًا. نعم.

قال: "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ" خالة ابن عباس، بنت الحارث، "زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُضُوءهُ لِلصَّلاَةِ، غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأَذَى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا»" هذا غسله من الجنابة، يعني فيجوز أن تقدم الرجلان مع بقية أعضاء الوضوء، وهذا ثبت عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنه يتوضأ وضوءه للصلاة، ويجوز أن تؤخر الرجلان بعد الغسل، لا سيما إذا كان المكان فيه شيء يلوث الرجل فيحتاج إلى غسلها مرة ثانية.

طالب: "قوله: حدثنا محمد بن يوسف، هو الفريابي، وسفيان هو الثوري، وجزم الكرماني بأن محمد بن يوسف هو البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة ولا أدري من أين له ذلك؟".

يعني يتسنى لابن حجر أن يقول: لا أدري من أين له ذلك لو علل جزمه بأنه الفريابي والثوري، لو قال كما قال أهل العناية من الغساني والجياني وغيره بأنهم جزموا بذلك خلاص صار دليل ابن حجر، أما يأتي بقوله مجردًا كما جاء الكرماني بقوله مجردًا: ما أدري من أين له ذلك، أنت من أين لك ذلك؟ لكن ثقتنا بابن حجر وعنايته بالبخاري والكرماني لا يدانيه ولا يقاربه، بل في بعض المواضع ما يدل على جهله بالكتاب الذي يشرحه، لكنه جزاه الله خيرًا، وأثابه على هذا الشرح الذي استفادوا منه جميع الشراح بعده، استفادوا منه وهو مفيد لطالب العلم مع ما فيه من شيء من المخالفات العقدية، وقل بل ندر أن يوجد شرح يخلو من ذلك، لكن مع ذلك استفاد منه الشراح وهو شرح ماتع مختصر يستطيع طالب العلم أن يقرأه في مدة يسيرة ويستفيد منه فائدة لا بأس بها، ما هو مثل ابن حجر أو العيني، لا، لكنه مفيد، ومع ذلك إذا زل أو أخطأ أدنى خطأ شنعوا عليه وما رحموه، وقلت مرارًا إنه مثل الشعير مأكول مذموم.

طالب: .......

يعني وافق ابن حجر في الثوري ووافق العيني.

طالب: .......

لماذا؟ طويل؟

طالب: .......

ابن حجر ما يتكلم من فراغ.

طالب: .......

يعني مثل ابن حجر، ابن رجب إمام في هذا الباب.

طالب: .......

خليه بعد.

طالب: "قوله: «وضوءه للصلاة غير رجليه» فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره، وهو مخالف لظاهر رواية عائشة، ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز كما تقدم).

على المجاز يعني أنه توضأ وضوءه للصلاة في أكثره في غالبه دون رجله، فيكون من باب إطلاق الكل وإرادة الأكثر، وهذا يسمونه مجازًا.

طالب: "وإما بحمله على حالة أخرى، وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء، فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل، وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم، وعند الشافعية في الأفضل قولان؛ قال النووي: أصحهما وأشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوءه، قال: لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك انتهى. كذا قال، وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك، بل هي إما محتملة كرواية: «توضأ وضوءه للصلاة»، أو ظاهرة تأخيرهما كرواية أبي معاوية المتقدمة، وشاهدها من طريق أبي سلمة، ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة، أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب، وراويها مقدَّم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش، وقول من قال: إنما فعل ذلك مرةً لبيان الجواز، متعقَّب؛ فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدل على المواظبة، ولفظه: «كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه» فذكر الحديث وفي آخره: «ثم يتنحى فيغسل رجليه».

 قال القرطبي: الحكمة في تأخير غسل الرجلين؛ ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء. قوله: «وغسل فرجه» فيه تقديم وتأخير؛ لأن غسل الفرج كان قبل الوضوء، إذ الواو لا تقتضي الترتيب، وقد بيَّن ذلك ابن المبارك عن الثوري عند المصنف في باب الستر في الغسل، فذكر أولاً غسل اليدين ثم غسل الفرج ثم مسح يده بالحائط ثم الوضوء غير رجليه، وأتى بثُم الدالة على الترتيب في جميع ذلك).

مسح اليد بالحائط ليزول ما بقي إن كان بقي من القذر شيء وتزول الرائحة من اليد، وفي بذل المجهود يقول: إن غسل اليد قبل غسل الفرج كفيل بإزالة الرائحة، واليد مبلولة، ما يمسح فرجه بيده وهي ناشفة.

طالب: "قوله: «هذه غسله» الإشارة إلى الأفعال المذكورة".

وإلا الغسل مذكر و«هذه» مؤنث، لكن يقال: هذه صفة غسله، فيكون مؤنث مع مؤنث، أو الأفعال التي ذُكرت «هذه غسله».

طالب: "أو التقدير: هذه صفة غسله، وللكشميهني: «هذا غسله» وهو ظاهر".

يعني مذكر مع مذكر.

طالب: "وأشار الإسماعيلي إلى أن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من قول سالم بن أبي الجعد، وأن زائدة بن قدامة بيَّن ذلك في روايته عن الأعمش، واستدل البخاري بحديث ميمونة هذا على جواز تفريق الوضوء وعلى استحباب الإفراغ باليمين على الشمال للمغترِف من الماء؛ لقوله في رواية أبي عوانة وحفص وغيرهما: «ثم أفرغ بيمينه على شماله»، وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة؛ لقوله فيها: «ثم تمضمض واستنشق»، وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما، وتُعقِّب بأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانًا لمجملٍ تعلَّق به الوجوب، وليس الأمر هنا كذلك؛ قاله ابن دقيق العيد".

ولكن بيان لمجمل، المجمل المأمور به في الآية، وهذا التفصيل الذي جاء عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- والبيان لذلك المجمل، والمجمل مأمور به فهو واجب، وبيانه أيضًا واجب. والشيخ ابن باز -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- يقول: فيه نظر، والصواب وجوبهما، ودخول هذه المسألة تحت القاعدة المذكورة؛ لأن غسله -صلى الله عليه وسلم- بيان لمجمل المأمور به في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].

طالب: "وعلى استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض لقوله في الروايات المذكورة: «ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط»، قال ابن دقيق العيد: وقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسلة واحدة لإزالة النجاسة والغسل من الجنابة؛ لأن الأصل عدم التكرار، وفيه خلاف، انتهى. وصحح النووي وغيره أنه يجزئ لكن لم يتعين في هذا الحديث أن ذلك كان لإزالة النجاسة، بل يحتمل أن يكون للتنظيف فلا يدل على الاكتفاء، وأما دلك اليد بالأرض فللمبالغة فيه؛ ليكون أنقى كما قال البخاري، وأبعد من استدل به على نجاسة المني أو على نجاسة رطوبة الفرج؛ لأن الغسل ليس مقصورًا على إزالة النجاسة، وقوله في حديث الباب: «وما أصابه من أذًى» ليس بظاهر في النجاسة أيضًا".

لأن الأذى أعم من النجاسة والمستقذر، الأذى أشمل وأعم من النجاسة، بل يشمل عموم النجاسة. نعم.

طالب: "واستدل به البخاري أيضًا على أن الواجب في غسل الجنابة مرةً واحدةً، وعلى أن من توضأ بنية الغسل أكمل باقي أعضاء بدنه لا يُشرع له تجديد الوضوء من غير حدث، وعلى جواز نفض اليدين من ماء الغسل وكذا الوضوء، وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره ولفظه: «لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مراوح الشيطان»، وقال ابن الصلاح: لم أجده، وتبعه النووي، وقد أخرجه ابن حبان في الضعفاء وابن أبي حاتم في العلل من حديث أبي هريرة، ولو لم يعارضه هذا الحديث الصحيح لم يكن صالحًا أن يُحتج به".

لأنه ضعيف، أخرجه ابن حبان في كتاب المجروحين، وابن أبي حاتم في علله، وبهذا لا يتوجه استدراك ابن حجر على ابن الصلاح والنووي، ابن الصلاح قال: لم أجده، والنووي قال: لم أجده، وابن حجر يقول: وجدته في الضعفاء لابن حبان، والعلل لابن أبي حاتم. كونك وجدته في هذين الكتابين لا يعني أنه يثبت، بل وجوده في هذين الكتابين مثل العدم فلا يستدرك بهما.

طالب: "وعلى استحباب التستر في الغسل ولو كان في البيت، وقد عقد المصنف لكل مسألة بابًا وأخرج هذا الحديثَ فيه لكن بمغايرة الطرق، ومدارها على الأعمش بإسناده هذا".

ومدارها على الأعمش؟

طالب: بإسناده هذا.

عندكم؟

طالب: يقول: قوله (بإسناده هذا) من [أ]، وليس في [ع] و[س].

نعم.

طالب: "وعند بعض الرواة عنه ما ليس عند الآخر، وقد جمعت فوائدها في هذا الباب، وصرح في رواية حفص بن غياث عن الأعمش بسماع الأعمش من سالم فأُمِن تدليسه، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء: الأعمش وسالم وكريب وصحابيان ابنُ عباس وخالته ميمونةُ بنت الحارث.

 وفي الحديث من الفوائد أيضًا: جواز الاستعانة بإحضار ماء الغسل والوضوء؛ لقولها في رواية حفص وغيره: «وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- غسلاً»، وفي رواية عبد الواحد: «ماء يغتسل به»، وفيه خدمة الزوجات لأزواجهن".

نعم. إعانة المتوضئ بإحضار الماء جاءت فيه أحاديث كثيرة عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- عن عدد من الصحابة، حتى قال العلماء: تباح معونته يعني في غسل أعضائه وفي تنشيف هذه الأعضاء. كل هذا مباح.

طالب: "وفيه الصب باليمين على الشمال لغسل الفرج بها، وفيه تقديم غسل الكفين على غسل الفرج لمن يريد الاغتراف؛ لئلا يدخلهما في الماء وفيهما ما لعله يستقذر، فأما إذا كان الماء في إبريق مثلاً فالأَولى تقديم غسل الفرج لتوالي أعضاء الوضوء. ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء".

ما يرد مثل هذا، فأما إذا كان الصب في إبريق مثلاً فالأولى تقديم غسل الفرج لتوالي أعضاء الوضوء، بتوالي أعضاء الوضوء، قدم الفرج أو أخره؛ لأن الغسل الأول ليس من أعضاء الوضوء، غسل اليدين، إنما هو الغسل المستحب.

طالب: "ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء، وتمسك به المالكية لقولهم: إن وضوء الغسل لا يمسح فيه الرأس بل يكتفى عنه بغسله، واستدل بعضهم بقولها في رواية أبي حمزة وغيره: «فناولته ثوبًا فلم يأخذه» على كراهة التنشيف بعد الغسل ولا حجة فيه؛ لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف".

الأولى عدم التنشيف؛ لأن السيئات تنزل مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإن وجدت الحاجة: شدة برد مثلاً، فالتنشيف لا بأس به ولا مانع منه.

طالب: "فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف، بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه كان مستعجلاً أو غير ذلك، قال المهلب: يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة بلل الماء".

لإبقاء بركة؟

طالب: "لإبقاء بركة بلل الماء".

ما فيه بلل، بركة الماء.

طالب: "قال المهلب: يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة بلل الماء أو للتواضع أو لشيء رآه في الثوب من حرير أو وسخ، وقد وقع عند أحمد والإسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: لا بأس بالمنديل وإنما رده مخافة أن يصير عادةً، وقال التيمي في شرحه: في هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف ولولا ذلك لم تأته بالمنديل، وقال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف".

لأن كلًّ من النفض والتنشيف إزالة لأثر الوضوء.

طالب: "لأن كلًّا منهما إزالة، وقال النووي: اختلف أصحابنا فيه على خمسة أوجه أشهرها أن المستحب تركه، وقيل مكروه، وقيل مباح، وقيل مستحب، وقيل مكروه في الصيف مباح في الشتاء، واستُدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر خلافًا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته".

عند الحنفية يقول بعضهم: إن الماء المستعمل نجس، ويستدلون بحديث: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة»، وقالوا: إن البول مؤثر، فكذلك الاغتسال، فيكون الماء المستعمل مثل الماء الذي صار فيه البول.

والله أعلم.

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"