هناك عند أهل العلم ما يُسمى بالتشريك في النية في العبادات، فمثلًا: شخصٌ مريض ونصحه الأطباء بالصيام، أو نصحه الأطباء بالمشي، فلزم الطواف مثلًا، فلا شك أن مَن تمحَّضتْ نيته للعبادة من غير دافعٍ ولا ناهزٍ آخر لا شك أن هذا أكمل وأوفر أجرًا، ولكن إذا شرَّك مع ذلك شيئًا مُباحًا مثل الحِميَة أو إنقاص الوزن أو ما أشبه ذلك فلا يخدش في النية، لكن يبقى أنه أقل أجرًا، وصيامه حينئذٍ صحيح، وطوافه صحيح ولو طاف من أجل الطواف ومن أجل إنقاص الوزن، أو العلاج من الأمراض التي تلزم من المُكث في المكان وعدم الرياضة والمشي.
المقصود أن مثل هذا التشريك لا يضر -إن شاء الله تعالى- في أصل العبادة، وإن كان أنقص أجرًا ممن تمحَّض قصده ونيته للعبادة نفسها؛ ولذا: لماذا آثر الطواف وبإمكانه أن يجوب الطرقات والأسواق ويحصل له ما يُريد؟ ولماذا آثر الصيام مع إمكانه أن يحتمي ولا يأكل؟ إلا لأنه يبحث عن الأجر عند الله -جلَّ وعلا-.
وفي (غمز عيون البصائر) نقلًا عن (فتح القدير) لابن الهُمام -وهو [أي: فتح القدير] من أفضل كتب الحنفية- يقول: (لو نوى الصوم والحِميَة أو التداوي، فالأصح الصحة؛ لأن الحِميَة أو التداوي حاصلٌ قَصَده أم لا، فلم يَجعل قصده تشريكًا وتركًا للإخلاص، بل هو قصدٌ للعبادة على حسب وقوعها؛ لأن من ضرورتها حصول الحِميَة أو التداوي. ولو نوى الصلاة ودفْعَ غريمه صحَّت صلاته؛ لأن اشتغاله عن الغريم لا يفتقر إلى قصد. وكذا لو نوى الطواف وملازمة الغريم أو السعي خلفه؛ لِما ذُكِر)، يعني: الغريم يطوف، وهذا يطوف وراءه ملازمًا له، أو يسعى –الغريم- ودائنه يسعى خلفه من أجل التحصيل.
لكن الأمور تختلف، ودرجات القصد والإخلاص والنية تختلف، لا شك أن من تمحَّضتْ نيته للعبادة هذا هو الأصل، وهو الأكمل والأوفر أجرًا عند الله –جلَّ وعلا-، لكن إذا قصد مع هذا القصد أمرًا مُباحًا فإنه لا يؤثر في أصل الصحة، مع أن قصده الأصلي وإيثاره الصوم على مجرد الإمساك بدون نية أو بدون صوم أو آثر الطواف مع إمكانه أن يجوب الأسواق ويمشي فيها، لماذا آثر هذه العبادات إلا لأنه يرجو الثواب من الله –جلَّ وعلا-، فأصل العبادة صحيح، والنية نافعة في هذا، والتشريك في مثل هذا لا يُنافي الصحة، والله أعلم.