إرجاع الإمام الصبي الصغير إلى الصف الثاني

السؤال
صليتُ في مسجدٍ في الصف الأول وكان معي ابني وعمره ست سنوات، فقام الإمام بإرجاعه إلى الصف الثاني، فهل تصرف الإمام صحيح؟
الجواب

لعل هذا الإمام استدل بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «ليلني منكم أولو الأحلام والنُّهى» [مسلم: 432]، ولا شك أنَّ المراد بالحديث حث الكبار وحث أولي الأحلام والنهى أن يتقدموا إلى الصف الأول والقرب من الإمام، فهذا حث لهم وليس مفاده طرد الصغار ومَن دون أولي الأحلام والنهى من أن يصفوا في الصف الأول، فمن تقدَّم إلى شيء لم يُسبق إليه فهو أحق به، والحديث مفاده حث الكبار على التقدم وليس مفاده طرد الصغار من أن يصفوا في مكان لم يُسبقوا إليه، ولذا لا يجوز للمسلم الذي يحضر إلى الصلاة متأخرًا أن يُقيم غيره ويجلس في مكانه صغيرًا كان أو كبيرًا، وعلى كل حال إذا كان استدلال الإمام بهذا فلا شك أن الصحابي راوي الحديث فعل ذلك، وهذا بناءً على فهمه، لكن المراد من الحديث هو ما ذكرناه أولًا وهذا صرح به جمع من أهل العلم أن المقصود به حث الكبار ليس مراده طرد الصغار.

يبقى أن من كان عمره ست سنوات هل تصح مصافته بناءً على أنَّه لا يُؤمر بالصلاة إلا إذا استكمل سبع سنين؟ هذا أيضًا محل نظر، فإذا كان يحسن الصلاة ويؤديها من غير خلل؛ لأن بعض الأطفال إذا صف مع الكبار أشغلهم، ولا يؤدي الصلاة وإنما يلعب، فمثل هذا تُمنع مصافته للكبار، لكن يُمنع برفق بحيث لا يتخذ الطفل موقفًا من المسجد وتحصل عنده ردة فعل فيستصحب ذلك في كبره، وهذا حصل لبعض الناس، فبعض الصبيان لعب في المسجد وطُرِد شر طَرْدة، ثم بعد ذلك اتخذ موقفًا بحيث استصحب ذلك في كبره، ثم ترك الصلاة إلى أن هداه الله فيما بعد. المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يُلاحظ ولا يُظن بالصبي الصغير أنه لا يحفظ، بل حفظوا مواقف وحصلت ردود أفعال بسبب بعض التصرفات، وعلى كل حال من كان عمره ست سنوات بحيث يكون مميزًا ويضبط الصلاة إذا صفَّ مع الكبار لا مانع من مصافته كما أنَّه لا مانع من إمامته إذا أتقن الصلاة وحفظ من القرآن ما حفظ؛ لحديث عمرو بن سلَمة –رضي الله عنه-.

والصغار إذا جيء بهم إلى المسجد يُتحملون إذا وُجد من ولي أمرهم ما يمنعهم من أذى الناس، أما أن يُتركوا وهم يعبثون ويلعبون فلا، وقد حصل موقف عندنا في المسجد: شخص جاء بطفل لا يزيد عمره عن ثلاث سنوات وأقامه بجواره، فلما صفَّ الإمام ذهب الطفل إلى المصاحف يعبث بها ووالده لا يُحرِّك ساكنًا، وهو يعبث بالمصاحف يقلب هذا ويضرب هذا ويخبط هذا بهذا، ثم لما اتجه الولد إلى المروحة وخَشي عليه منها قَطَع الأب صلاته وكفَّه عن ذلك! لا شك أن مثل هذه التصرفات غير مرضية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والناس ينتظرونه وهو حامل أمامة بنت زينب –رضي الله عنهما-، حملها النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها وهكذا، لكن لم يَحصل منها أذىً لأحد، وكذلك حصل مع الحسن والحسين –رضي الله عنهما- لما ارتحلوه وركبوا على ظهره لما سجد، لكن لم يحصل منهم أذىً لأحد، المقصود أن من حصل منه الأذى للمصلين يُمنع.

والأصل أن الأب إذا كان يعرف أن ولده لا ينضبط في الصلاة لا يحضره، وكثير من الآباء يأتي بولده ليخفف العبء عن أمه في البيت، لكنه يؤذي المصلين، وهذا غير مرضي إطلاقًا.