التصدق من الكسب الخبيث

السؤال
 المال الخبيث ككسب الحجام هل يصح أن يُتصدق منه؟ وإن صح التصدق منه فكيف نجمع بين هذه الصحة وبين الحديث الذي في (صحيح مسلم) «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا»؟
الجواب

الوصف بـ(خبيث) لاشك أنّه متفاوت، ففي قوله -جل وعلا-: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبآئث} [الأعراف: 157] المقصود بها المحرمات، فالربا خبيث؛ لأنّه محرم، وأما بالنسبة لكسب الحجام ووصفه بأنّه خبيث؛ فكسبه جائز وحلال، لكن فيه شيء من الدناءة، ولأن الحِجامة وغيرها من المنافع ينبغي أن تُتداول بين المسلمين من غير مقابلة ومن غير مقاضاة، بل يتعاون الناس وينتفع بعضهم من بعض بدون مقابل، هذا الأصل الذي حث عليه الشرع، لكن إذا تكسّب من وراء الحجامة فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- «احتجم وأعطى الحجام أجره» [البخاري: 5691]، ولو كان حرامًا لم يعطه، وعلى هذا فوصفه بالخبث يعني أنَّه أقل، قال تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} [البقرة: 267]، فإذا كان عندك من المأكول أو من الملبوس أو من المركوب شيء أقل، وعندك شيء أعلى، فالتوجيه أنّك تتصدق من الأعلى {لا تيمموا الخبيث} الذي هو أقل وأدنى، وفي ذلك يقول الله -جل وعلا-: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] فكسب الحجام حلال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- «احتجم وأعطى الحجام أجره»، ولو كان حرامًا ما أعطاه –كما قدمنا-، والقاعدة أنَّ ما حرُم أخذه حَرُم دفعه، ومادام أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دفع وأعطى الحجام فهذا يدل على الجواز، وهذا قول عامة أهل العلم، وعلى كل حال يصح أن يتصدق الحجام من كسبه، لكن إن تصدق من ماله الذي هو أشرف من هذا المال الموصوف بأنه دنيء وخبيث فهذا أولى وأطيب ولا شك، وهو مما يدل على أن النفس فيها جود، والجود مطلوب في الشريعة كما قال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.

قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «كسب الحجام خبيث» [مسلم: 1568] جاء مثله في مهر البغي «مهر البغي خبيث» [مسلم: 1568] وهذا في غاية التحريم، وجاء أيضًا مثله في حلوان الكاهن [مسلم: 1568]، وهذا أيضًا أمره شديد، لكن وصف كسب الحجام بكونه خبيثًا لا يعني أنه محرَّم؛ لما قدمنا، وحينئذٍ يصح أن يتصدق منه، لكن إن تصدق من مالٍ أفضل منه وأنظف فهذا أولى وأعلى، وبه يُنَال البر، وأما كونه خبيثًا وقد جاء في الحديث «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا» [مسلم: 1015]، فخبثه لا يخرجه عن كونه حلالًا، والحلال طيب لكن ينبغي أن يلاحظ أن ما يخرجه الإنسان لله -جل وعلا- ينبغي أن يكون بطيب نفس، بحيث لا يُفضِّل الأدنى على الأعلى ويعرض عن الأجر المرتب على الأعلى.