اعتزال مَن به مرض معدٍ المساجد

السؤال
هل يجوز لمن به مرض معدٍ أن يعتزل المساجد؛ حتى لا تصيب العدوى المصلين؟
الجواب

جاء في الحديث الصحيح «لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر، وفِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد» [البخاري: 5707]، فأهل العلم يختلفون في حقيقة العدوى، وهل لها وجود أو لا. فجاء النفي «لا عدوى ولا طيرة»، وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: «فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد»، وجاء «لا يُورِدنَّ ممرضٌ على مُصِحٍّ» [البخاري: 5771] مما يُفهم منه ثبوت هذه العدوى.

والعلماء يختلفون في مسالكهم للتوفيق بين هذه الأحاديث:

فمنهم من جرى على النفي المطلق ويقول: مخالطة المريض كمخالطة الصحيح لا أثر لها على الصحيح، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- لمَّا سُئل ونُوقش في أنه تكون الإبل الجرباء مع الإبل الصحيحة فتجرب الصحيحة، فقال: «مَن أعدى الأول؟» [البخاري: 5717]، فحينئذٍ على هذا القول -أنه لا فرق بين مخالطة الصحيح والمريض- يكون جواب السؤال: أن مَن به مرض معدٍ لا يجوز أن يترك الجماعة من أجله.

وبعضهم يقول: العدوى ثابتة.

فالذي ينفي العدوى مطلقًا -أصحاب القول الأول-، يجيبون عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد» أن هذا من باب الاحتياط للاعتقاد، بمعنى أنه «لا عدوى» هذا الأصل، و«فِرَّ من المجذوم»؛ لئلا يحصل أن يُمرض الصحيح بمثل ما مُرض به هذا المريض فيدخل في قلبه شك أن هذه العدوى حصلتْ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «لا عدوى»، فيحصل عنده شيء من الخلل والاضطراب، فيقع في نفسه شيء.

والذين يثبتون العدوى يقولون: «فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد» هناك عدوى، ويزعمون أن الواقع يشهد بذلك كما جاء في استدراك الأعرابي الذي أبداه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهناك عدوى، لكن النفي بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا عدوى» المراد به أن المرض يتعدَّى بنفسه لا بتقدير الله -جل علا-، فمَن أثبت العدوى قال: إن هذه العدوى بقدر الله، وإن المرض لا ينتقل بنفسه.

وعلى كل حال الثقة بالله -جل علا-، والعلم والجزم بأن كل هذه الأمور بتقديره، وأنه لا شيء من الأسباب يسري بنفسه بدون تقديره كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، هذا هو الأصل في الاعتقاد، وإن أثبتَ العدوى على القول الثاني فلا مانع من ذلك، مع اعتقاده أن المرض لا ينتقل بنفسه.

وبعضهم توقَّفوا في الجذام واستثنوه وقالوا: إن «فِرَّ من المجذوم» هو المرض الوحيد الذي يُعدي، وما عداه «لا عدوى»، ولذا قال بعض الفقهاء من الشافعية: إن مَن به جذامٌ يُعذر في ترك الجماعة، وإذا كان يُعذر في ترك الجماعة بسبب أكل الثوم والبصل فلأن يُعذر بهذا الجذام أو المرض التي تنبعث منه روائح كريهة تُؤذي المصلين من باب أولى، والله أعلم.