الاستشهاد بحديث «مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ ترْكُه ما لا يعنيه» على ترك الأمر بالمعروف

السؤال
ما رأيك بمَن يستشهد بهذا الحديث «مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ ترْكُه ما لا يعنيه» على ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟
الجواب

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جاء الأمر به والتأكيد عليه، حتى عدَّه جمع من أهل العلم ركنًا من أركان الإسلام، هل يستطيع مسلم أن يقول: (هذا لا يعنيني)، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «مَن رأى منكم منكرًا فليُغيِّره» [مسلم: 49]، وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]؟ فمع هذه النصوص هل يستطيع ساذج فضلًا عن طالب علم أن يقول: (هذا الأمر لا يعنينا)؛ ليدخل في حديث: «مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ ترْكُه ما لا يعنيه» [الترمذي: 2317]؟ هو يعنيك بالدرجة الأولى، لا سيما إذا رأيتَ هذه المنكرات، فالحديث: «مَن رأى منكم منكرًا»، فالمنكر يعني كلَّ مَن رآه، فهو مأمور بتغييره، لكن التغيير يختلف من شخصٍ إلى شخص، فمِن الناس مَن يستطيع التغيير بيده، فيلزمه ذلك، ومنهم مَن لا يستطيع التغيير بيده، فينتقل إلى الدرجة الثانية ويُغيِّر بلسانه، ومنهم مَن لا يستطيع التغيير بلسانه، فينتقل إلى التغيير بالقلب، على ألَّا يُغيَّر المنكر بما يترتَّب عليه منكر أعظم منه، فالمسألة تحتاج إلى سياسة شرعية، أما كون المنكر لا يعنينا فهذا الكلام ليس بصحيح، بل يعنينا بالدرجة الأولى، ونحن مأمورون بتغييره، وكل مَن رأى المنكر مأمور بتغييره، إلى أن يتغيَّر، ويأثم مَن لا يُغيِّر المنكر.

الأمر الثاني: أن المنكر -لا سيما المنكر الظاهر- سبب لهلاك الجميع، فإذا كَثُر الخبث وانتشر، ولا يوجَد مَن يُغيِّره ولا مَن ينكره، هلك الناس، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثُر الخبث» [البخاري: 3346]، فإذا تتابع الناس على عدم الإنكار وتواطؤوا على ذلك، وشاعت المنكرات وانتشرتْ، كما يقال في كثير من المعاصي الآن: (عمَّتْ بها البلوى)، فهل يريد مثلُ هذا أن تَعمَّ البلوى بالزنا؟ وهل يريد أن تَعمَّ البلوى بالربا، بحيث لا يستطيع الناس الانفكاك منه؟ فإنه إذا تواطأ الناس على تركه بأن رآه فلان وفلان وفلان، وتركوه ولم يغيِّروه، فإنهم يُقرِّون بشيوعه بينهم، بحيث لا يستطيعون دفعه. وقد تواطأ الناس على السكوت على بعض المنكرات التي هي في أعينهم يسيرة، فاستفحلتْ وانتشرتْ بحيث صحَّ فيها أن يقال: (إنها عمَّتْ بها البلوى، فلا يستطاع إنكارها)، وعموم البلوى بها ضريبة السكوت الأول، فإذا كان مثل هذا القائل يرى أن الناس لا ينكرون المنكرات، فيرون هذا خلا بامرأة، وهذا يعقد صفقة ربا، وهذا يقذف فلانًا، ولا يُنكِرون، فما معنى هذا الكلام؟ هذه مخالفة لأمر الله -جل وعلا-، ولأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلا شك أنها من أعظم المنكرات، وإذا رأى الناس المنكر ولم يُغيِّروه أوشك الله أن يعمَّهم بعقابه، نسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا.