توجيهات لبعث الفأل والأمل في نفوس المسلمين ودفع الإحباط عنهم

السؤال
أصابنا الإحباط مما نرى مِن حولنا من ضعف المسلمين وتفرُّقهم، مما انعكس على نفوسنا ودعوتنا لأهلنا، حتى تنازلنا عن بعض ما نشأنا عليه وتعلمناه، فهل مِن كلمة تبعث في نفوسنا الفأل والأمل؟
الجواب

جاءت الاستعاذة من الحور بعد الكور، وأن من نشأ على الخير والصلاح والديانة والعبادة والدعوة عليه أن يستمر على ذلك، وهذا كله من أنواع العبادة المأمور بها إلى الممات {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وأما ما حصل للأمة في الأزمان المتأخرة فطوبى للعامل، فعلى طالب العلم وعلى المسلم عمومًا أن يستمر في عمله ودعوته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فقد جاء أنه يحصل للعامل في آخر الزمان عند فساد الناس «أجر خمسين»، قيل: يا رسول الله منَّا أو منهم؟ قال: «منكم» [يُنظر: أبو داود: 4341 / والترمذي: 3058]، أجر خمسين من الصحابة! الأمر ليس بالسهل، فعلى الإنسان أن يصبر ويصابر، ويتابع، ويغلب نفسه وشيطانه، ويحمل نفسه على العزيمة، ويصبر حتى يأتيه اليقين، وليس معنى أن حصول أجر خمسين من الصحابة للعامل في آخر الزمان أن الواحد منهم قد يكون أفضل من بعض الصحابة، نقول: لا، شرف الصحبة وأجر الصحبة لا يناله أحد ممن جاء من بعد الصحابة مهما بلغ من الأعمال، ومهما بلغ من الصلاح والاستقامة والإخلاص، فالصحابة أجرهم لا يناله أحد مهما بلغ ممن جاء بعدهم، وقد سُئل بعض السلف عن المفاضلة بين معاوية –رضي الله عنه- وعمر بن عبد العزيز، فقال: غبار في أنف معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-خير من عمر بن عبد العزيز. فالمقصود أن هذا الحديث لا يمكن أن يتشبَّث به ويستدل به من يرى تفضيل بعض من جاء بعد الصحابة على بعضهم مهما كان من أقلِّهم، وحينئذٍ الصحابة أشرف الأمة على الإطلاق، ومع ذلك في الحديث ما يحدو على العمل ومضاعفة الجهد في هذه الأيام. وإذا ادلهمَّت الأمور وخفيَتْ على الإنسان وخشي من الوقوع في الفتن إن غشيها فالعزلة، «يوشك أن يكون خيرَ مال المسلم غنمٌ يَتْبَع بها شَعَفَ الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» [البخاري: 19]، فهناك عزلة، وهناك خلطة، فالأصل الخلطة، وخير الناس الذي يخالطهم ويصبر على أذاهم، ما لم يخشَ على نفسه وعلى دينه، فحينئذٍ تتعيَّن العزلة، وجاءت نصوص في الخلطة، وجاءت نصوص أخرى في العزلة، فهذا محمول على حال، وذاك محمول على حال أخرى، فالذي يستطيع أن يؤثِّر في الناس خيرًا ولا يتأثر بمنكراتهم فهذا المتعيِّن في حقِّه الخلطة، والعكس إذا كان بعض الناس يتأثر بما يرى ويشاهد من أعمالهم السيئة، ولا يستطيع أن يؤثِّر فيهم فمثل هذا المتعيِّن في حقِّه العزلة، وهذا في آخر الزمان كما هو معلوم إذا ادلهمَّت الأمور وشاعت الفتن، والله أعلم.