نصيحة مع واقع كثرة المعلومات واختلافها في الفضائيات والإنترنت والإذاعات

السؤال
نود نصيحة مع هذا الواقع الذي أفرز كمًّا هائلًا من المعلومات عبر الفضائيات والإنترنت والإذاعات التي أدَّتْ إلى تعدُّد المرجعيَّة، وبخاصة أن مَن تَصدَّر فيها مشاربهم مختلفة، وحتى لا يَحيد الطالب عن المنهج الصحيح، ولا يُضيِّع وقته، نود التوجيه.
الجواب

أقول: على طالب العلم أن يعتصم بكتاب الله وسنة نبيِّه -عليه الصلاة والسلام-، ويستنير ويستفيد من العلماء الراسخين الذين استفاض في الأمة فضلهم، وعُرفتْ منزلتهم، ورسختْ أقدامهم، ولا يتْبع كلَّ ناعق؛ لأنه يوجد -مثلما ذكر الأخ- هذه الفضائيات ونحوها، والإشكال أننا نُعرِّض أنفسنا لهذه الشبهات وهذه الشهوات، ثم نطلب العصمة، يا أخي هذه الفضائيات التي تستضيف أمثال هؤلاء، النظر فيها من الأصل ما حكمه؟ هذه الفضائيات التي تبث الشهوات والشبهات النظر فيها محرَّم، فلا تقل لي: (خرج فلان في قناة كذا)، وهي من الأصل ممنوعة، فأنت عليك أن تُحصِّن نفسك بالاعتصام بالكتاب والسنة، وألَّا تنظر إلَّا ما أباح لك الشرع النظر إليه، وألَّا تسمع إلَّا ما يجوز لك سماعه، وعليك أن تحفظ هذه الموارد التي تَرِد إلى قلبك وتَفِد إليه، والمنافذ لا بد من حفظها؛ لتحفظ قلبك، فتحفظ السمع، وتحفظ البصر، وتحفظ الجوارح؛ لتستفيد من العلم الشرعي، أما أن تترك المجال للنظر أو السمع يسرح يمينًا وشمالًا في الحلال والحرام، فلن يجتمع لك قلبك في أحلك الظروف، وسوف تَرِد عليك الخواطر التي تُشوِّش عليك عبادتك وجميع حياتك، فعلى الإنسان أن يحفظ نفسه، وأن يتقرَّب إلى الله -جل وعلا- بما يُقرِّبه إليه، «ما يزال عبدي يتقرَّب إلي بالنوافل حتى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعه الذي يَسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يَبطش بها، ورجله التي يَمشي بها» [البخاري: 6502]، فتكون تصرفاته كلها شرعية، وإلَّا فماذا عن ناس ظاهرهم الصلاح في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر، إذا سجد أحدهم يتَّجه قلبه يمينًا وشمالًا، ولا يدري هل هو في المسجد أو في غير المسجد؟ بل مع الأسف أنه سُمع مَن يضحك وهو ساجد! لماذا؟ لأنه خطر عليه نكتة! فأوقات الشدة هذه تحتاج إلى تعرُّف قبل ذلك في أوقات الرخاء، فإذا كان الوقت كله معمورًا بالقيل والقال، ثم إذا جاء وقت الحاجة نريد أن نحفظ أنفسنا! فهذا لا يمكن أن يصير، وهذه سُنَّة إلهيَّة.

وبعض الناس يسمع: «مَن حجَّ فلم يَرفُث، ولم يَفسُق، رجع كيوم ولدتْه أُمُّه» [البخاري: 1521]؛ فيقول: (هي أربعة أيام، سهلٌ أن أُسيطر فيها على نفسي)، أو يأتي يجاور في المسجد الحرام، أو في المسجد النبوي في العشر الأواخر من رمضان، بل قد يعتكف، فهل يستطيع أن يحفظ الوقت وهو في طيلة عمره في الزمان السابق في القيل والقال، وفي الاجتماعات والاستراحات، وفي النُّكت والطرائف، وما أشبه ذلك؟ لا يستطيع، فتجده معتكفًا، ثم يجلس بعد صلاة الصبح في هذه الأماكن المقدسة، ويفتح المصحف يريد أن يقرأ، وهو ما تعوَّد، وما عنده تاريخ سابق، وما تعرَّف على الله في الرخاء، فيقرأ له صفحة أو صفحتين، ثم يلتفت يمينًا وشمالًا علَّه أن يجد أحدًا يعرفه؛ ليُمضي معه الوقت في النُّكت والطرائف التي على حدِّ زعمهم أنها تُؤنسهم، وإلَّا إذا لم يجد أحدًا أغلق المصحف وقام هو يبحث عن أحد، وهذا مُشاهَد. وقد يعتكف في العشر الأواخر، فإذا أُعلن عن نهاية شهر رمضان ودخول ليلة العيد، خرج من المعتكَف بعد صلاة المغرب وذهب إلى أهله، وإذا كان من عادته قبل الاعتكاف أنه لا يحافظ على تكبيرة الإحرام، أو يفوته شيء من الصلاة، فتجد أنه لا بد أن يفوته شيء من صلاة العشاء، وهذا مُجرَّب؛ لأنه ما تعرَّف على الله في الرخاء، وكذلك في الحج يقول: (أربعة أيام، لو أن الإنسان يَخيط الفمَّ خياطة ما ضرَّه)، لكنه لن يستطيع، سُنَّة إلهيَّة، إلِّا إذا كان قد وُفِّق من خلال حجِّه، أو من خلال اعتكافه، أو من خلال مجاورته، لتوبةٍ نصوحٍ ورجعةٍ صادقةٍ إلى الله -جل وعلا-، وغيَّر حاله وبرنامجه، وعزم على ألَّا يعود إلى ما كان يفعله قبل ذلك، ففضل الله لا يُحدُّ، وكم من إنسان على هذا، لكن نحتاج إلى عزيمة صادقة؛ لتغيير ما كنا عليه من قبل.