ادِّعاء حالة الكَشْف

السؤال
هذا سائل من ليبيا يقول: قرأتُ في بعض الكتب عن حالة الكَشْف، فما حالة الكَشْف؟ وكيف تُميَّز حالة الكَشْف من الحالات الأخرى؟
الجواب

في الغالب أن الذين يدَّعون هذه الأحوال ليسوا على منهج سليم، حتى يدَّعي بعضهم أنه يجتمع بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليقظة، وأنه يزوره كلَّ يوم، أو كلَّ أسبوع، أو كلَّ جمعة، أو كلَّ شهر، أو في كلِّ مناسبة، فهؤلاء ليسوا على الجادَّة، فلا تمكن رؤيته -عليه الصلاة والسلام- في اليقظة؛ لأنه قد مات بالنصِّ القطعي. وكونه حيًّا في قبره، وأن حياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء، هذه حياة برزخيَّة، أما مفارقة الروح للبدن فمحل إجماع، والنصُّ القطعي من القرآن والسنة دلَّ على أنه مات، {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30]، ويقول أبو بكر -رضي الله تعالى عنه-: "مَن كان يعبد محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فإنَّ محمدًا قد مات" [البخاري: 3668]، ومقتضى هذا أن تُفارق الروح البدن، فبعد موته -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن الاجتماع به.

فهؤلاء الذين يدَّعون الكَشْف، وأنها تُكشف لهم الحُجب والغيوب، ويمكن أن يُخبِروا عمَّا وقع، وعمَّا لم يقع، هذه كلها من دعاوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله -جلَّ وعلا-.

ويُذكر عن شيخ من الشيوخ في بلد من البلدان المجاورة، أنه طَلب من شيخ معروف باتِّباعه للكتاب والسنة وقال له: (لو انتقلتَ عن حيِّنا سأكون لك شاكرًا)، فقال: (لماذا؟)، قال: (لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يتضايق إذا زارنا وأنت قريب منَّا)، ما أدري كيف يتضايق ممَّن يتَّبعه، ولا يتضايق من أصحاب المخالفات والبدع؟! فقال له الشيخ: (انتقل أنت مادام أنك محتاج إلى هذا)، قال: (أخشى ألَّا يَعرف الرسول المكان الجديد)! فقال له: (إذا ما عرف المكان الجديد، فما هو برسول).

أقول: الشيطان يُسوِّل للإنسان ويستدرجه، فمَن يتَّبع الخطوات الأولى يقع في الأخيرة، فعلى الإنسان أن يَحسم هذه المادة عن باله وعن خاطره، فالشيطان يَستدرج الإنسان بالفعل حتى يقع منه المضحكات التي لا يفعلها ولا الحيوانات، ويستدرجه بالقول حتى يُستغرَب أن يقع مثل هذا الكلام من كافر، فضلًا عن مسلم، فمتى قال بِشر المريسي: (سبحان ربي الأسفل)؟ هل قالها أول مرَّة، أو استُدرج بكلام طويل إلى أن وصل إلى هذه المرحلة؟ ومتى قال ابن عربي وأمثاله:

بذكرِ اللهِ تزدادُ الذنوبُ
 

 

 

وتنطمسُ البصائرُ والقلوبُ
 

والله -جلَّ وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، فهل يُتصوَّر من شخصٍ أن يبدأ الطريق من هذه الكلمة؟ لا، وإنما استدراج، يقول كلمة، ثم التي تليها، ثم التي تليها، إلى أن يقع في مثل هذا الكلام الذي لا يُقرُّه عاقل. وهناك تصرُّفات من بعض المخالفين في العقائد حقيقةً حتى البهائم والحيوانات ما تفعلها. فعلى الإنسان أن يلتزم بالسنة.