الله -جل وعلا- إنما كتب علينا الصيام كما كتبه على مَن قبلنا مِن أجل غاية وهي تحقيق التقوى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، وهذه الأفعال التي يفعلها إذا أفطر في الليل من اللعب واللهو وسماع المحرم من الأغاني ومشاهدة الأفلام لا سيما إذا كان فيها المحظور فإن مثل هذا ينافي ما شُرع الصيام من أجله وهو تحقيق التقوى، ولو تأملنا في الحكمة من شرعية العبادات لوجدناها كلها تدور على تحقيق التقوى، والصلاة التي جاء وصفها بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي يصليها المسلم طبقًا لما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، تحقيقًا لقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [البخاري: 631]، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أن المسلم قد يخرج من صلاته بنصف أجرها أو ربعه أو ثلثه أو عشره، وهذه الصلاة التي لم يثبتْ له من أجرها إلا العُشر بمعنى أنه ما عقل منها إلا العشر -والصلوات الخمس كفارة لما بينها- يقول عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: هذه إن كفَّرتْ نفسها فبها ونعمتْ! فكيف تترتَّب على هذه الصلاة بهذه الصفة التي لم يَحضر قلبُه إلا في العُشر أو أقل كيف تترتَّب عليها آثارها من النهي عن الفحشاء والمنكر؟! ولذلك يستشكل بعضهم وصف الصلاة بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وبعض المسلمين يخرج من المسجد وقد يخرج من صلاة نفل من التراويح أو من التهجد ويزاول بعض المحرمات، فيظن في ذلك خُلفًا في كلام الله -جل وعلا-، وليس مردّه الخلف في كلام الله الذي لا يخلف الميعاد وهو أصدق القائلين -جل وعلا-، لكن الخلل في صلاته، فهذه الصلاة التي لم تُحقِّق الهدف ما ترتَّب عليها آثارها.
والصيام الذي ورد في السؤال بأن يجعل النهار للعبادة وتلاوة القرآن، والليل لنقيض ذلك من مزاولة المحرمات مثل هذا الصيام لا يُحقِّق التقوى التي من أجلها شُرع الصيام، والله المستعان.
وأيضًا لو نظرنا في الحج مثلًا «من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» [البخاري: 1521]، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203]، فيرتفع عنه الإثم سواء تعجَّل أو تأخَّر، لكن شريطة أن يتقي الله -جل وعلا- في حجه، فلا يرفث ولا يفسق، ولا يأتي بما يخدش هذه العبادة، وقل مثل هذا في جميع العبادات، والله المستعان.