المسألة افتُرضت الآن في شخص صلى مع الإمام حتى ينصرف، فإذا ذهب إلى بيته هل يصلي، أو يذكر الله، أو يقرأ القرآن؟ يُنوِّع، فالذكر جاء من النصوص الكثيرة ما يدل عليه: «سبق المفرِّدون»، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا، والذاكرات» [مسلم: 2676]، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف: 28]، فالذكر شأنه عظيم، وذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مقدمة الوابل الصيب أكثر من مائة فائدة للأذكار، والأذكار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير غراس الجنة، فعن إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- أنه قال: «يا محمد، أَقرئْ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [الترمذي: 3462].
أوَما سمعتَ بأنها القيعانُ فاغـ |
|
ـرسْ ما تشاءُ بذا الزمانِ الفاني |
وغراسُها التسبيحُ والتكبيرُ والتـ |
|
ـحميدُ والتوحيدُ للرحمنِ |
المقصود أن الذكر شأنه عظيم وفضله جزيل، ولا يُكلِّف المسلم شيئًا، فـ«مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرار، كان كمَن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» [مسلم: 2693]، ومَن قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مائة مرة، فانظر الأجور وما يترتب على مثل هذا الذكر من حفظٍ وحرزٍ للإنسان، لكن الحرمان! وهذه تقال في عشر دقائق، وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» [البخاري: 6406]، وسبحان الله وبحمده مائة مرة: «مَن قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر» [البخاري: 6405]، هذه كم تحتاج من الوقت؟ هل تحتاج إلى يوم؟ أو أن تجلس العصر تقولها؟ في دقيقة ونصف تقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة، وتستغفر مائة مرة في دقيقة، وتصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر مرات، وجاء في هذا الوعد الثابت، وتقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عشر مرات، كلها ما تحتاج إلى شيء من الوقت، فكل هذه الأمور ما تحتاج من يومك ولا ربع ساعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يُحفظ عنه في المجلس الواحد أنه يستغفر مائة مرة [أبو داود: 1516]، ويقول -عليه الصلاة والسلام- وهو الذي غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وهو أعلم الناس وأتقاهم وأخشاهم لله، يقول: «إنه ليُغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» [مسلم: 2702]، فكيف بنا نحن الذين لا ننفك من مزاولة ما لا يرضي الله -جل وعلا-؟! فعلى الإنسان أن يحرص على الأذكار. ويجعل لكتاب الله نصيبًا وافرًا من يومه، ولا يجعله على الفرغة؛ لأنه إذا تركه وقال: (أنا الآن أنا مشغول سأتركه إلى الليل)، وإذا جاء الليل قال: (لعلنا نجمع الوردين في يوم واحد غدًا)، ما يمشي هذا، فإذا لم تفرض للقرآن من سنام الوقت -وليس من الفضلة- فلن تقرأ القرآن، وعرفنا أناسًا اهتموا بهذا الأمر، حتى إن منهم مَن إذا جاء وقت القراءة وهو مسافر أوقف السيارة جانبًا، وأنهى حزبه من القرآن، ثم واصل طريقه، فالدنيا ملحوقٌ عليها، وما هنا شيء يفوت، فلتشتغل بأنواع العبادات من الصلاة والذكر والتلاوة وغيرها، وصلة الأرحام أيضًا ينبغي أن يهتم بها طالب العلم في هذه الليالي المباركة.