سبُّ الدين عند الغضب، والتوبة من ذلك بعد الإفاقة

السؤال
شخص يسب الدين عند الغضب، ثم بعد ذهاب الغضب يعتذر ويستغفر، ويَذكر أن ذلك بدون تعمُّد منه، لكن ذلك يتكرر منه، فما حكم فعله هذا؟ وهل يكون معذورًا؟
الجواب

لا شك أن الغضب خلقٌ ذميمٌ، ووصيتُه -عليه الصلاة والسلام- لمن استوصاه: «لا تغضب» [البخاري: 6116] وكررها ثلاثًا؛ لما يترتب على هذا الغضب من الأمور ومن العظائم كما ذُكر؛ لأن سب الدين المذكور في السؤال شأنه خطير، وهو ردَّة عن دين الله، فأمره عظيم وشأنه خطير، فعلى الإنسان ألَّا يغضب، وأن يتحلَّم، وأن يُمرِّن نفسَه على ترك الغضب؛ إنفاذًا لوصيته -عليه الصلاة والسلام-، واتقاءً لما يترتب عليه من مثل هذا الأمر وغيره، وكثيرًا ما يُطلِّق الإنسان وهو غضبان، وكثيرًا ما يتصرف تصرفات لا تليق بالصبيان ولا بالمجانين، فعلى كل حال الغضب خلقٌ ذميمٌ على المسلم أن يجتنبه، وأن يروِّض نفسَه على الحلم والتبصُّر في الأمور، ولا يستسلم للشيطان، وإذا وَجد من نفسه مقدمات الغضب فيغيِّر وضعه ويتوضأ، لكن إذا وُجد الغضب عند هذا الشخص الذي اتصف بهذا الخلق الذميم وكان غضبًا شديدًا جدًّا وغطَّى على عقله بحيث لا يدري ما يقول فإنه حينئذٍ يُرفع عنه التكليف، ولا يقع طلاقه، ومثل هذا إذا عاد إلى رشده عليه التوبة والاستغفار والندم على ذلك والعزم على ألَّا يعود. على كل حال -مثل ما ذكرنا- على الإنسان أن يُروِّض نفسَه وأن يوطن نفسَه على الحلم، والحلمُ بالتحلُّم كما أن العلم بالتعلُّم، ولا يتذرع بأدنى غضب، فلا شك أن الغضب درجات، فإذا كان يَعي ما يقول ويستطيع أن يَكف نفسه عما يضر به أو بغيره لزمه ذلك، ويُنظر في المثير، وسُئل بعض أهل العلم عن رجل طلب الشاي من زوجته فتأخرتْ عليه دقيقةً فغضب وطلقها، وآخر لَعَنَتْ زوجتُه والديه فطلقها، فرقٌ بين هذا وهذا؛ لأن المثير له أثر في مقدار الغضب، وعلى كل حال الغضب كلُّه مذموم إلا الغضب عند انتهاك محارم الله، فالله -جل وعلا- يغضب إذا انتُهكتْ محارمه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يغضب إذا انتُهكتْ محارم الله، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم [البخاري: 867] -عليه الصلاة والسلام-، وإنما هو غضب لله ولحدود الله ولأحكام الله.