Rulings

وجد أصل بعض فنون علم مصطلح الحديث من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالجرح والتعديل، والكلام في الرجال حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد جاء أنه قال: «بئس أخو العشيرة» [البخاري: 6032]، وهذا أصل في الجرح، لكن لا ينبغي أن يكون هذا الأصل مدخلًا لبعض من يتفكه بأعراض الناس، بل على…

يشرع في الخطب وفي الكتب أن يقول الخطيب أو الكاتب: (أما بعد)، وقد جاءت بها النصوص، وثبتت في أكثر من ثلاثين حديثًا.

الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- جاء الأمر بها في قوله -جلا وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، ولا يتم امتثال الأمر في الآية حتى يصلي ويسلم، أما الاقتصار على الصلاة دون…

قيل لإمام يحيى بن معين في مرضه: ماذا تشتهي؟ قال: (بيت خالي، وإسناد عالي)، وخلو البيت مهم للعالم ولطالب العلم ليخلو بربه، والخلوة مطلوبة إذا تعبد الإنسان، حيث يبعد عن الأنظار، ويستريح من الأكدار والأغيار، وإذا خلا بربه فإنه يتيسر له أن يذكر الله ما شاء، ويصلي ما شاء، ويقرأ ويتدبر ما شاء، ويتيسر له أن يناجي الله -جل وعلا-، وأن يحضر قلبه، ويبكي من خشية الله من غير مراءاة، بخلاف ما إذا كان…

الذكر بين الناس وإن كان كما جاء في الحديث الصحيح «عاجل بشرى المؤمن» [مسلم: 2642]، إلا أن له أثرًا، ولذا جاء النهي عن مدح الإنسان في وجهه، حيث إنه يعرضه لخدش الإخلاص، وقد يزول عنده بالكلية في بعض الأحوال والظروف، فعلى الإنسان أن يلاحظ مثل هذه الأمور، فإذا تيسر أن يعمل عملًا لا يطّلع عليه أحد فهذا أقرب…

الموضوعات فيها كتب من أهمها (الموضوعات) لابن الجوزي، و(اللآليء المصنوعة) للسيوطي، لكن ابن الجوزي تساهل في الحكم على بعض الأحاديث بالوضع، فحكم بالوضع على أحاديث ضعيفة لا تصل إلى درجة الوضع، وحكم به على بعض الأحاديث الحسنة، بل حكم به على بعض الأحاديث الصحيحة، وهذا قليل نادر، لكنه موجود، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وأكثر الجامع فيه إذ خرج…

بعض المفسرين يذكر الخبر الموضوع المنسوب إلى أُبي بن كعب –رضي الله عنه- في فضائل السور، ومنهم من يذكره جملة، ومنهم من يذكره في صدر كل سورة، أو في آخر كل سورة؛ لأن فيه ذكر السور كلها، فيوردونه ولا ينتقدونه بشيء، كالواحدي والزمخشري، وكثيرٍ من أهل العلم الذين لا عناية لهم بالحديث، لكن من أضرهم وأشدهم صاحب تفسير (روح البيان)، وهو إسماعيل حقي البروسوي، فإنه يروي هذه الأحاديث ويبرر روايته لها…

لا تجوز رواية الخبر الموضوع إلا مع بيان وضعه بالأسلوب الذي يفهمه السامع، فلا يكفي الخطيب أن يأتي بحديث موضوع ويقول للناس على المنبر: هذا حديث موضوع؛ لأن كثيرًا من السامعين لا يدرك معنى الموضوع. وقد ذُكر أن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- سُئل عن حديث فقال: هذا لا أصل له، مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقام شخص من العجم فقال: يا شيخ كيف تقول: مكذوب، وهو مروي في كتب السنة بالإسناد…

إذا حصل طالب العلم على ضبط كلمة فليودعها سويداء قلبه، ولا يجعلها تمر مرورًا كأنها لوحات المحلات التي في الشوارع يقرأها وكأنها لا تعنيه، لا، بل يهتم بها، وهذا علم وأنت محتاج إلى العلوم المتكاملة، تصوّر طالبًا يبحث في فقه عالم من العلماء في رسالة دكتوراه، ولم يستطع أن يعرف اسم هذا العالم، سأل العلماء لم يجد حلًا، راجع الكتب لا فائدة، مصيبة أن تبحث في فقه عالم وتخطئ في اسمه، وهذا العالم…

من المباحث المهمة لطالب العلم مبحث المتفق والمفترق، وهو أن يتفق في الخط واللفظ، ويفترق في الذات والحقيقة، فمثلاً: تجد ستة أشخاص كلهم الخليل بن أحمد، لكن كل واحد يختلف عن الثاني، فإذا مر بك الخليل بن أحمد في علم من العلوم وترجمت له على أنه الخليل بن أحمد صاحب العروض وقعت في إشكال، فكل اسم ينبغي أن يُستدل به على فنه، فإذا كانت المسألة في تعريف لغوي، وجاء فيها: وقال الليث: كذا، فذهب الطالب…

من المباحث التي هي في غاية الأهمية، مبحث أسماء الرواة، والجهل به قبيح جداً بطالب العلم، فلا بد أن يعنى به الطالب، ويراجع عليه المصادر؛ لأن أسماء الرجال تختلف عن المتون، فالمتون قد يُستدل عليها بما قبلها وما بعدها، حيث إن السياق يساعد في أن تفهم اللفظ، وتنطقه على الوجه الصحيح، لكن أسماء الرجال تختلف فإذا أشكل عليك راو من الرواة فكيف تنطقه إذا خالف الجادة، وأنت لم تراجع عليه الكتب، ولم…

جاء من حديث عائشة –رضي الله عنها- أنها سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- هل في المال حق سوى الزكاة؟ فأجاب: «ليس في المال حق سوى الزكاة» [ابن ماجه: 1789]، وجاء في رواية: «إن في المال لحقاً سوى الزكاة»

يزعم بعض الرقاة أنه إذا رقى المريض ظهرت صورة العائن على صدر المريض، فيراها الراقي والمرقي، وهذا لا يمكن أن يدرك بمجرد الرقية، ولم يحصل مثله لسلف الأمة، فهذه استعانة، شعر الإنسان أو لم يشعر، وهي في أول الأمر قد تكون إعانة من غير طلب، ثم يستعين فيما بعد من غير تقديم شيء، ثم بعد ذلك إذا صار في منتصف الطريق لا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر، وصار ذكره على ألسنة الناس، وساد بين قومه بأنه أحرق كذا…

العلل لخفائها وغموضها لم يتكلم فيها إلا القليل النادر من الأئمة الكبار الحفاظ، بل قد يتكلم الواحد منهم بما لا يستطيع تعليله وتبريره، فيأتي السائل إلى الإمام الكبير من أئمة الحديث فيسأله، فيقول له الإمام: الحديث فيه علة، لكنه لا يستطيع التعبير عن هذه العلة؛ لأن هناك أمورًا تنقدح في ذهن المجتهد يصعب التعبير عنها، لكن يكفي السائل أنه يذهب إلى ثانٍ وثالثٍ ورابعٍ من الأئمة الكبار وكلهم يؤكدون…

ابن القيم -رحمه الله تعالى- ادعى القلب في حديث البروك: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه» [أبو داود: 840]، ورأى أن هذا تناقض؛ لأن البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، فكيف يقول: «لا يبرك كما يبرك البعير»

إذا روى الراوي عمن عاصره ممن لم يثبت لقاؤه به بصيغة موهمة كـ(عن) و(أن)، و(قال) و(ذكر)، فهذا مرسل خفي، وأما إذا روى عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة فهذا تدليس، وكذلك إذا روى عمن سمع منه أحاديث ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة فهذا تدليس أيضًا، وهذه الصورة لا خلاف في كونها تدليسًا.

يذكر في قصة قلب أهل بغداد الأحاديث على الإمام البخاري أنه لما دخل بغداد أراد أهل بغداد أن يمتحنوه، هل هو من الحفظ والضبط والإتقان وسعة الاطلاع كما يقال عنه؟ فعمدوا إلى مائة حديث، وقسموها على عشرة أشخاص، لكل واحد عشرة أحاديث، وقلبوا أسانيد العشرة الأولى مع متونها فوضعوا إسناد الحديث الأول لمتن الثاني، وإسناد الثاني لمتن الأول، إلى تمام العشرة، ثم قلبوا العشرة الثانية، وهكذا إلى تمام…

أهل الحديث يقولون: حديث معلل، ويقولون: معلول، والصواب مُعَلّ بلام واحدة؛ لأن المعلل اسم مفعول من علل، يقال: علله إذا شغله وألهاه، ومعلول من علّ يعلّ، فهو معلول، أما أعله، في قولهم: أعله بهذه العلة، فالصواب في اسم المفعول منه مُعَلّ، كما قرر ذلك الحافظ العراقي وأطال في تقريره. و(معلول) موجود في اصطلاح بعض أهل الحديث، وفي كلام الأصوليين، وفي كتب العقائد والكلام، لكن صرح جمع من أهل العلم…

من علماء الحديث من يقول: إن (أن) في الإسناد ليست مثل (عن)، بل هي منقطعة، ونَسب ابن الصلاح هذا القول إلى الإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة، وعمدته في ذلك أنهما حكما على خبر واحد مرة بالاتصال، ومرة بالانقطاع، ففي الرواية الأولى: (عن محمد بن الحنفية أن عماراً –رضي الله عنه- مرّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-) قال عنه الإمام أحمد: منقطع، وفي الرواية الثانية: (عن محمد بن الحنفية عن عمار –رضي الله عنه…

في الحديث الغريب إذا كانت الغرابة في أصل السند وهو الطرف الذي فيه الصحابي قيل: غرابة مطلقة، وأكثر ما يطلق عليه الفرد المطلق، وإذا كانت الغرابة في طبقة من دون الصحابة قيل: غرابة نسبية، والغرائب يكثر فيها الضعيف؛ لأن تفرد الراوي مظنة للخطأ، بخلاف موافقة غيره له فيكون مظنة التجويد والحفظ والضبط.