Rulings

بعض الفقهاء من الشافعية، بل من الخراسانيين على وجه الخصوص يطلقون الأثر ويريدون به الموقوف، ومقتضى صنيع البيهقي في (معرفة السنن والآثار) يؤيد هذا، فالسنن عنده للمرفوعات، والآثار للموقوفات، لكن الأكثر يطلقون الأثر ويريدون به الأحاديث والأخبار، سواء كانت مرفوعة أو موقوفة، ومن هذا (مشكل الآثار)، و(شرح معاني الآثار)، فهذه ليست خاصة بالموقوفات.

استفاض عند أهل العلم نقل اشتراط اللقاء في السند المعنن عن الإمام البخاري وعن شيخه علي بن المديني، أما الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- فقد قرر في (مقدمة الصحيح) الاكتفاء بالمعاصرة، وشنّع وشدّد ورد على من اشترط اللقاء، وقال: إنه قول مخترع مبتدع، الهدف منه رد السنن، وكون الإمام مسلم يشدد فهذا رأيه، أما كونه يقصد البخاري بكلامه هذا فلا يلزم، ولا يلزم أن يكون المقصود -أيضًا- علي بن المديني،…

لا أنصح بحفظ أكثر من نظم في فن واحد؛ لأن بعض المتون يشوش بعضها على بعض، فإذا أراد الطالب أن يستشهد ببيت من (الألفية) مثلًا سبق إلى لسانه كلام البيقوني، شعر أو لم يشعر، وإذا أراد أن يقرر كلام ناظم خرج له كلام آخر؛ لأنها متقاربة تنظم في علم واحد، فيشوش بعضها على بعض، ولا يستطيع أن يميز النظم، والنظم غالب، يغلب على الإنسان، ويخرج من غير أن يقصد، فأنصح أن يجمع همته على متن واحد، وهو على حسب…

تصنيف الطلاب وتقسيمهم إلى مبتدئين ومتوسطين ومنتهين على الطرق المعروفة عند أهل العلم، وتأليف العلماء للكتب على قدر عقول كل فئة، هذا ليس عبثًا، بل جُرّب من مئات السنين، ووجد من أنفع الأمور، إلى طبقة شيوخنا المبرزين في العلم والعمل ولله الحمد وهم على هذه الجادة، وهي جادة مثمرة، وأنتجت فحولًا.

قد يقول قائل: إن هذه التقسيمات لا توجد عند سلف الأمة! فيقال له: سلف الأمة عندهم…

أحكام المتقدمين مبنية على القرائن، والقرائن ما كل أحدٍ يدركها، فقد يفنى عمر الإنسان وهو ما استطاع أن يحكم بالقرائن؛ لأن هذا العلم: إلهام، لكنه إلهام مبني على صدق وإخلاص وحرص وجد واجتهاد، فالأئمة المتقدمون الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، أصبح لديهم ملكة، فبالشم يعرفون الصحيح من الضعيف، لكن الشخص المبتدئ الذي يخفى عليه حديث في بدهيات المتون المحفوظة عند صغار طلاب العلم هذا لا يمكن أن…

ينادي بعض الغيورين ممن عُرف بالحرص والحرقة على السنة النبوية، بالسير على قواعد المتقدمين، وهي دعوة نابعة من قلب طيِّب، ومن إخلاص صادق -إن شاء الله-، لكن مثل هذا الكلام لا يوجه إلى المبتدئين؛ لأنه إذا وجِّه للمبتدئين صار تضييعًا لهم؛ إذ إن المبتدئ لا يستطيع أن يتعامل مع أحكام المتقدمين حتى يتأهل لذلك، وهذا كمن يطالب الطالب المبتدئ بالاجتهاد في الأحكام الشرعية! فعلى طالب العلم أن يتربى على…

مما يمثل به لمقلوب المتن، ما رواه مسلم في (صحيحه) من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» [1031]، والرواية الصحيحة المعروفة:…

إذا نوى الحاج طواف الزيارة مع طواف الوداع، فإنه يسقط عنه الفرض ويدخل طواف الوداع معه؛ لأن المقصود أن يكون آخر عهده بالبيت، مثل المقصود بتحية المسجد، حيث إن المقصود ألا يجلس في المسجد حتى يصلي، فيحصل بأي صلاة، وكذلك هنا حيث يصدق عليه أن آخر عهده بالبيت.

جاء في حديث اقتناء الكلب أن أبا هريرة –رضي الله عنه- قال: «من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط» [مسلم: 1575]، قال ابن عمر -رضي الله عنهما_: «يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع»، يعني يهمه هذا اللفظ –…

كتاب (تقرير القواعد وتحرير الفوائد) لأبي الفرج عبد الرحمن بن رجب، من أعظم كتب القواعد، لا سيما في خدمة المذهب الحنبلي، هذا الكتاب يعض عليه بالنواجذ، وقد استكثره بعض من ترجم لابن رجب، وقال: (إنه جمعه من كلام ابن تيمية)، لكن هذا لا يعرف قدر ابن رجب، ورسوخ قدمه، ولا شك أن كتابه (تقرير القواعد) كتاب كبير، وقواعده قد يصعب ضبطها على طالب العلم؛ لأن بعض القواعد تصل إلى خمسة أسطر، أو ستة أسطر،…

الكمال بن الهمام في كتابه (التحرير في أصول الفقه) يجمع بين طريقتي الحنفية والشافعية؛ لأن للشافعية طريقة في التصنيف في أصول الفقه، وللحنفية طريقة؛ وابن الهمام هذا من الحنفية، لكنه جمع في الكتاب بين الطريقتين.

شيخ الإسلام -رحمه الله- يقرر أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، وارتكاب المحظور أخف من ترك المأمور، وحجته في ذلك أن معصية إبليس ترك مأمور، وهو السجود، ومعصية آدم ارتكاب محظور، هذا ما يقرره شيخ الإسلام، والجمهور على أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، لكن لا يقال بإطلاق لا هذا ولا هذا، بل ينظر إلى المأمور المراد تركه والمحظور المراد ارتكابه؛ فإذا كان المأمور من الأمور العظيمة والمحظور…

تخفيفات الشرع أنواع سبعة:

1- تخفيف إسقاط: كإسقاط الجهاد بالعذر، أي: لا إلى بدل.

2- تخفيف نقص: كقصر الصلاة من أربع ركعات إلى ركعتين.

3- تخفيف إبدال: كالغسل والوضوء بالتيمم.

4- تخفيف تقديم: كجمع التقديم للصلوات المجموعة، وتقديم الزكاة على الحول.

5- تخفيف تأخير: كجمع التأخير، وتأخير صيام…

زوال المانع من قبول الحجة لا يشترط إذا بلغت الحجة الإنسان وفهمها لكن مع ذلك بقي لديه مانع من قبولها، وذلك كأن تقول له: (الطواف بالقبر حرام، شرك)، ويقول: (لكم قناعاتكم ولي قناعاتي، أنتم تقتدون بمشايخ وأنا أقتدي بمشايخ، فنحن منذ أن عرفنا أنفسنا وشيوخنا يفعلون هذا، والناس يعظمونهم واستفاض فضلهم ومعرفتهم، وتبرأ الذمة بتقليدهم) فمثل هذا المانع لا يشترط زواله، ولم يشترطه أحد، وإلا لكان مشركو…

السفر من رخصه القصر، والجمع، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، والفطر، وترك الجمعة، والتنفل على الدابة، والسفر بواحدة من زوجاته بالقرعة، ولا يقضي لغيرها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد أن يسافر أقرع بين نسائه، فمن خرجت لها القرعة سافر بها وترك الباقي [البخاري: 2688]، لكن إذا رجع يقسم ولا يقضي، فهذه من رخص السفر كما قال أهل العلم.…

لو قرأ حيوان آية سجدة، قال الأسنوي: (كلام الأصحاب مشعر بعدم استحباب السجود لقراءته)، ولا يتصور أن شخصًا يستمع لقراءة حيوان من أجل أن يسجد؛ لكونه مستمعًا، أما السامع فما عليه سجود، كما أن هذا القارئ لا يصلح أن يكون إمامًا للمستمع، ويُخرَّج عليه سماع القراءة من المسجل أو الراديو، إذ لا يصلح أن يكون إمامًا للمستمع فلا يسجد، ومثل هذا النائم والساهي لو قرأ.

اشترط العلماء لإقامة الحدود النية، فلو أن إنسانًا ارتكب الزنا وهو غير محصن، فسُجن إلى أن يقام عليه الحد وهو مائة جلدة، وأثناء فترة السجن حاول الهرب من السجن، فقال الوالي: (اجلدوه مائة جلدة)، فإن هذه المائة لا تكفي عن الحد.

كذلك لو أن هذا المسجون اتُهم ظلمًا، فجاء واشٍ وقال للحاكم: (إن هذا الشخص حاول الهروب من السجن)، فقال: (اجلدوه مائة جلدة)، ثم تبين للوالي بعد الضرب…

التشريك في العبادة أقسام منها:

- أن ينوي مع العبادة ما ليس بعبادة كمن ذبح لله ولغيره، فهذا التشريك محرم، بل شرك يوجب حرمة الذبيحة، وأما لو نوى بغسله أو وضوئه رفع الحدث مع التبرد ففي وجه لا يصح، كالسابقة والأصح الصحة؛ لأن التبرد حاصلٌ قَصَده أو لم يقصده، ومثله الحمية مع الصيام، والطواف مع المشي، والصلاة للفرض والتعليم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:

من صلى الظهر وقد فاتته السنة القبلية، ثم نوى بعدها السنة القبلية، فجاء بأربع ركعات، ثم جاء بركعتين بنية السنة البعدية، نقول: الأصل أن الذي بعد الصلاة مباشرة وقتٌ للسنة البعدية، فينوي السنة البعدية، ثم بعد ذلك يقضي السنة القبلية.

لكن لو أن شخصًا قال: علي ست ركعات، أربع قبل الصلاة وثنتان بعدها، وكلها نفل فلا تحتاج إلى تمييز -وهذا حال كثير من عامة الناس- فصلى القبلية ثم…

النية لا تحتاج إلى نية؛ لأنه يلزم على اشتراط النية فيها التسلسل، وهذا تسلسل في الماضي وهو ممنوع؛ لأننا نقول: النية تحتاج إلى نية، والنية التي قبلها تحتاج إلى نية، والتي قبلها تحتاج إلى نية، وهكذا، لكن التسلسل في المستقبل لا مانع منه، ومثاله: الشكر، فإذا وجِدَتْ نعمة تشكر الله عليها، وتوفيقك لهذا الشكر نعمة أخرى تشكر الله عليها، وتوفيقك للشكر الثاني نعمة ثالثة تشكر الله عليها، وهكذا، وهذا…