Rulings

كتاب (المجموع في شرح المهذب) للنووي –رحمه الله- لو كَمّل لا ستغنى به طالب العلم عن جميع كتب الفقه، فـ(المغني) لابن قدامة كتاب عظيم، و(المحلّى) لابن حزم كتاب مفيد، و(التمهيد) و(الاستذكار) لابن عبد البر كتابان عظيمان، لكن (المجموع) ذكر فيه من الفروع والتنابيه المدللة على طريقة أهل الحديث بالأدلة المعللة المخرجة مما لو اجتمع عليه فئام من الناس ما استطاعوا أن يؤلفوا مثله في هذا العمر القصير…

كتاب (سنن ابن ماجه) فيه فوائد، وفيه ثلاثيات، وفيه عوالي، وهو كتاب نافع ماتع، والتكرار فيه قليل، بينما الضعيف فيه كثير، حتى قال القائل: (إن جميع ما يتفرد به ابن ماجه محكوم عليه بالضعف، سواء كان من الرواة أو من الأحاديث)، لكن هذا الكلام فيه مبالغة، فقد صح من الأحاديث التي تفرد بها ابن ماجه شيء لا بأس به يصل إلى مئات الأحاديث.

كتاب (سنن النسائي) شُرح من قبل الشيخ محمد علي آدم، وهو أثيوبي معاصر، حيث شرح الكتاب بما يقرب من أربعين مجلداً، وهو قابل للاختصار، أطال في تراجم الرواة، ينقل الترجمة من (التهذيب)، وينقل ما قيل في الشروح، لكنه لم يعتنِ -وفقه الله- على ما بذل في الكتاب بأهم ما ينبغي أن يتكلم عليه في الكتاب وهو العلل، وعلى كل حال فالشرح طيب، ويستفيد منه طالب العلم، ويختصر عليه الجهد ويوفر له الوقت إذا أراد…

كتاب (سنن النسائي) لأبي عبد الرحمن النسائي –رحمه الله-كتاب نفيس نافع، ميزته في بيان علل الأحاديث المأخوذة من اختلاف الرواة في تراجم النسائي –رحمه الله-، وأهمية الكتاب تكمن في هذا الجانب، لكن العناية بالكتاب من أهل العلم أقل من العناية ببقية الكتب، حتى (سنن ابن ماجه) أكثر عناية من (سنن النسائي)، والسبب في ذلك صعوبة التعامل مع هذه العلل، فالشارح إن تكلم فيها قد لا يحسن الكلام، وإن تركها…

كتاب (تهذيب سنن أبي داود) لابن القيم –رحمه الله -، وهو من أنفس الكتب في بيان علل الأحاديث.

كتاب (سنن أبي داود السجستاني) كتاب جمع فيه مؤلفه أحاديث الأحكام، وقد جمع فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، انتقاه من بين ستمائة ألف حديث، وتحرى فيه، يقول في وصفه: إنه ذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما سكت عنه فهو صالح. والخلاف في معنى كلمة (صالح) بين أهل العلم معروف، هل يريد الصلاحية للاحتجاج، أو لما هو أعم من ذلك من الاستشهاد، والكلام في المسألة مبسوط في كتب علوم الحديث.…

كتاب (صحيح مسلم) لم يجد من الإسهاب والإطالة في شرحه ما وجده (صحيح البخاري)؛ لأن (صحيح مسلم) يجمع الأحاديث في مكان واحد، فليس بحاجة إلى أن يكرر الشراح الكلام عنها في مواضع متعددة كـ(البخاري)، فالمتن مجموع في مكان واحد بألفاظ معينة، يتحدث عنها الشارح في مقام واحد، ولا يحتاج أن يعيد الكلام عنها في مكان آخر، وهذا سبب الاختصار والإجمال في شرح صحيح مسلم.

شروح (صحيح مسلم) متسلسلة؛ أولها: (المعلم) للمازري، وهو كتاب مختصر، أملاه إملاءً، ثم بعد ذلك (إكمال المعلم) للقاضي عياض، والكتاب فيه فوائد كثيرة، ثم للأُبي (إكمـال إكمال المعلم)، ثم للسنوسي (مكمل إكمال الإكمال) فهي سلسلة، وكلها لو جمعت ما جاءت مثل (فتح الباري).

القسطلاني –رحمه الله- أراد ضبط (صحيح البخاري) فوقف على فرع اليونينية فقابل عليه (الصحيح) ست عشرة مرة حتى ضبطه وأتقنه، ثم وجد المجلد الثاني من الأصل (اليونينية) يباع فاشتراه فقابل عليه، فما وجد فرقاً بين الأصل والفرع، ولذا كثيراً ما يقول: (كذا في فرع اليونينية كهي)، وهذا مما يستشكله بعض الطلاب وهو في الحقيقة غير مشكل، لأنه كتب الشرح قبل أن يقف على الأصل، فاضطر أن يقول: (كذا في فرع…

اليونيني هو أشهر من اعتنى بضبط (صحيح البخاري)، قرأ (الصحيح) على ابن مالك مراراً يُصوِّب له الروايات التي تحصلت لديه ويوجه ما خالف العربية منها، وقد دون اليونيني فروق الروايات على نسخة سميت (اليونينية الأصلية)، ولها فرع قوبل عليها مراراً فوجد مضبوطاً متقناً.

كتاب (فتح الباري) للحافظ ابن رجب من أمتع الشروح على البخاري وأنفسها وأنفعها لطالب العلم، على أنه لم يَكمل، ولو كَمُل لكان من العجائب، وهو شرح بنَفَس السلف، معتمد على أقوال السلف الصالح، مجرد عن كل علم دخيل.

ومن شروحه كذلك كتاب (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري) للكرماني –رحمه الله-، شرح لطيف ونفيس وفيه فوائد، وفيه أيضاً طرائف…

(صحيح الإمام مسلم) –رحمه الله- ليس فيه تراجم، فهو يجمع الأحاديث، وله طريقة في الاختيار، وفي السياق، وفي ترتيب الأسانيد والمتون، فهو بارع في هذا الباب، لكن ليس له فقه، ففقهه يكمن في طريقة سياقه للمتون والأسانيد، وفي تقديمه وتأخيره لها، ومن الأدلة على ذلك: الأثر الذي ذكره بين أحاديث المواقيت مما لا علاقة له بالمواقيت، فهو – رحمه الله- لما ذكر هذه الأسانيد التي برع رواتها في سياقها، وأبدع…

الحافظ ابن حجر- رحمه الله- له كتاب أسماه (القول المسدد في الذب عن المسند)؛ لأن ابن الجوزي- رحمه الله- أدخل بعض الأحاديث من (المسند) في كتابه (الموضوعات)، فدافع عنه الحافظ ابن حجر في هذا الكتاب، وعلى طالب العلم أن يقرأ مقدمة هذا الكتاب، ففيها من الأدب ومن الاعتراف لأهل الفضل بالفضل، ما ينبغي أن يتأدب عليه طالب العلم.

إن مما يشاهد في زماننا عزوفَ كثيرٍ من طلاب العلم عن كثير من أبواب الدين التي هم بأمس الحاجة إليها، كأبواب الأدب الشرعي وأبواب الفتن والرقاق والزهد، ويندر أن تجد من يعتني بها؛ لأن همهم متجه إلى المسائل العلمية، والذي يحدو ويسوق طالب العلم للعمل إذا عرف هذه الأحكام الشرعية العملية هي هذه النصوص التي هي كالسياط لطالب العلم أن يعمل بهذا العلم، ومجرد معرفة هذا حلال وهذا حرام من غير ملامسة…

كتاب (سبل السلام) للصنعاني –رحمه الله- ينبغي أن يعتني به طالب العلم؛ لتجرد مؤلفه ودورانه مع السنة، فهو يرجح ما يترجح له من خلال الدليل، والكتاب مختصر من (البدر التمام) للمغربي –رحمه الله-، ولكونه أفضل من الأصل صارت العناية به أكثر.

وأما كتاب (نيل الأوطار) للشوكاني –رحمه الله- فقد شرح فيه كتاب (المنتقى) لمجد الدين أبي البركات –رحمه الله-، والكتاب أصله عظيم، وشرحه نفيس…

كتاب (المحرر) في الحديث للإمام الحافظ ابن عبد الهادي- رحمه الله- كتاب متقن على اسمه، فهو محرر مضبوط، وفيه إشارات ودقائق إلى علل الأحاديث قد لا توجد عند غيره.

ماجه معروف أنها بالهاء في الوقف درج، مثل: داسه ومنده، فلا تقول: (ماجة) بالتاء، وإن كان بعضهم يختار ذلك؛ لأنه لَمّا تداوله العرب صار في حكم الاسم العربي، لكن الأصل أنه بالهاء.

الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- لما ألّف (القول المسدد في الذب عن المسند) وهو شافعي المذهب، دافع فيه عن المسند بقوة، وقال: إن هذه عصبية نبوية، فحينما نتعصب لكتاب هذا الإمام الجليل المحدث الفقيه ليس التعصب للإمام أحمد نفسه؛ إنما لأنه كلما قرب الإمام من النصوص ينبغي أن يُعتنى به أكثر، ويُحتفى بأقواله وأفعاله.

كتاب (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) لابن عبد البر –رحمه الله- كتاب فريد في بابه، موسوعة شاملة في الفقه والحديث والرجال، وأنموذج فذ في أسلوبه ومنهجه، رتَّبه مؤلفه على الأسانيد مرتِّبًا إياها على أسماء شيوخ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- الذي روى عنهم ما في الموطأ من الأحاديث، وذكر ما رواه عن كل شيخٍ مرتِّبًا إياهم على حروف المعجم، وكتاب (التمهيد) نظرًا لطول الوقت الذي مكثه…

الإمام ابن عبد البر مالكي المذهب، لكنه يُرجِّح غير ما يراه الإمام مالك تبعًا للدليل، ومن أظهر المسائل التي رجحها وهي مشهورة عند المالكية؛ تفضيل المدينة على مكة، فقد بحث الإمام ابن عبد البر المسألة بحثًا مستفيضًا، وخرج بترجيح مكة على المدينة خلافًا لما يقوله إمامه. يقول ابن حزم عنه: (لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلًا، فكيف أحسن منه؟).