بعد أن عرفنا وجوب طاعة ولي الأمر في كل الأحوال، وحرمة الخروج عليه بالقول والعمل، وعِظم الفتنة في ذلك، يجد طالب العلم نفسه أحيانًا في مثل هذه الأيام في أحد المجالس مع العامة، سواء كانوا أقارب أو أصدقاء، يتحدثون عن ولي الأمر، وأنه إن كان ظالمًا لا يجب السكوت عنه، أو كثيرًا ما يُسمع اغتيابه، وأنه لا يعرف أحوال المساكين والمظلومين في بلاده، وأن ما نتعرض له من مصائب في العالم الإسلامي بسبب معاصي ولاة الأمر، والرضا بالغرب، والسماح لهم في بلادهم، وقلَّ ما تجد في هذا الزمان مَن لسانه بريء من الكلام في ولاة الأمور، حتى وصل إلى العلماء، وكيف يداهنون ولي الأمر، وكيف أن العلماء لا يدرون عن أحوال العامة وما يقاسونه، ولا يدرون إلَّا عن الخاصة، وأن العالم الفلاني لا يحب إلَّا كذا وكذا، يسمونهم بأسمائهم، فإذا دافعتَ عنهم قالوا: (أنتم لا تعلمون إلَّا عن علماء الدين في الكتب، وأن الواقع غير ذلك)، وقد انتشر هذا الأمر حتى عند بعض الذين درسوا العلم، وتصدَّروا للدعوة، فإذا نظرتَ لمنهجهم وعقيدتهم تجدهم من أهل السنة والجماعة، بل ويحفظون أدلة طاعة ولي الأمر عن ظهر قلب، لكن إذا وقعوا في المشاكل في بعض الدوائر والإدارات قالوا: (هؤلاء عُيِّنوا من قبل ولي الأمر، إذن هو يعلم ما يفعله هؤلاء من ظلم وجور، وأن أحوال الأمة لم تَسِر إلى الأسوأ إلَّا بظلم ولاة أمور المسلمين على شعوبهم)، فإذا قلت: (إن التاريخ يعيد نفسه، وأن ما يحدث الآن هو صورة لما حدث في الماضي، بل علماء الأمة من السلف الصالح منهم مَن مات مسجونًا، ومنهم من مات مقتولًا على يد ولي الأمر، لكن هذا لم يُخرجه إلى معصية ولي الأمر، أو الكلام عليه)، انتقلوا إلى الجدال غير المُجدي، فيَصل طالب العلم إلى اليأس من إقناعهم، وإلى الكفِّ عنهم).