Rulings

الصلاة -التي هي ثانية أركان الإسلام- القول بكفر تاركها كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة منقول عن سلف هذه الأمة وأئمتها، وقد نقل عن الصحابة أنهم ما كانوا يرون شيئًا تركه كفر إلا الصلاة [الترمذي (2622)]، والنصوص في ذلك صحيحة وصريحة كحديث: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» [الترمذي (2621)، والنسائي (462)، وابن ماجه (1079)، وأحمد (22937)]، وحديث:…

الصيام عبادة من أعظم العبادات، وفريضة مِن أوجب الفرائض، بل ركن من أركان الإسلام إجماعًا، من جحد وجوبه كفر اتفاقًا، ومن اعترف بوجوبه -أعني صيام شهر رمضان- لكنه لم يصم كسلًا وتفريطًا فقد قيل بكفره، وهي رواية في مذهب الإمام أحمد، وقول معروف عند بعض أصحاب مالك -رحم الله الجميع-، وهو قول مشهور، ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في رواية عن الإمام أحمد في كفر تارك الأركان العملية [مجموع الفتاوى (7/302)]؛…

للصائم فرحتان: دنيوية وأخروية، قال صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره» [البخاري (1904)، ومسلم (163-1151)]‏، وكل صائم يدرك الفرحة الدنيوية بنفسه. ولولا هذا النص، مع ما جبل عليه الإنسان من تشوفه للفطر إذا حان أذان المغرب، لقلنا: إن هذا الفرح فرح بالفراغ من العبادة، والفرح بالخروج من العبادة لا يحمد، لكن بما أنه ثبت في الشرع أن الصائم له فرح محمود،…

ثبت في السنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:‏ «كل عمل ابن آدم يضاعف‏، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‏،‏ قال الله تعالى‏:‏ إلا الصوم‏‏ فإنه لي، وأنا أجزي به‏» [البخاري (1904)، ومسلم (163-1151)]‏.

فقوله سبحانه: «وأنا أجزي به» يعني: جزاء لا يحدُّ، فلا يدخل في التضعيف المذكور بسبعمائة ضعف…

مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه ليلةَ المعراج مسألة خلافيَّة بين الصَّحابة، فمنهم من يُثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربِّه، ومنهم من ينفي؛ كقولِ عائشة رضي الله عنها: «من زعَم أن محمدًا رأى ربَّه فقد أعظم الفرية» [البخاري 4/115، ومسلم 1/159]، والنفي أكثر وأقوى في الاستدلالِ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «نور أنَّى أراه»…

المؤمنون يرون الله جل وعلا في الجنَّة، ويُحجب عنه الكفَّار، ورؤية الله جل جلاله أعظم ما يُتنعَّم به في الجنةِ.

أما في الدنيا، فلا يُطيق شيءٌ من مخلوقاته أن يثبت أمام الباري سبحانه وتعالى، قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]. والله جل جلاله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:…

لما قدم الإمام البخاري نيسابور استقبله الناس واستقبله محمد بن يحيى الذهلي وعامَّة علماء نَيسابور، فقال محمد بن يحيى لتلاميذه: «لا تسألوه عن شيءٍ من الكلامِ، فإنه إن أجابَ بخلاف ما نحن عليه وقَع بيننا وبينه، وشَمِت بنا كلُّ ناصبيٍّ، ورافضيٍّ، وجهميٍّ، ومرجئٍ بخراسان» [هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص: 490)].

وهذه هي طريقةُ أهلِ العلمِ في مناقشةِ بعضهم بعضًا إلى وقتنا هذا، فالمشايخُ ينتَقد…

وقع نزاعٌ وشقاقٌ وخلافٌ قويٌّ بين الإمام البخاري رحمه الله، والإمام محمد بن يحيى الذُّهلي رحمه الله -وهو إمام من أئمَّة المسلمين- في مسألة «اللفظ»، والقصة ذكرها ابن حجر رحمه الله، فقال: «ذكر ما وقع بينه وبين الذُّهليِّ في مسألة اللَّفظ، وما حصل له من المحنةِ بسببِ ذلك، وبراءته مما نُسب إليه من ذلك...» [هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص: 490)].

فكان مما ذكر أن الإمام البخاري لما قدم…

قال قوم: «لفظي بالقرآنِ مخلوقٌ» ويسمَّون اللفظية.

وعارضهم قوم فقالوا: «لفظي بالقرآنِ غيرُ مخلوقٍ». وإطلاق هذا أيضًا غلط؛ لأنّ اللَّفظ يُطلق ويُراد به التلفُّظ، وهذا فعل العبد، ويُطلق ويُراد به الملفوظ، وهذا كلام الله، فإذا كان معنى «اللَّفظ» اسم المفعولِ الذي هو الملفوظ به -وهو القرآن- صار إثبات هذا المراد هو عين كلامِ جهمٍ، أي: ملفوظي -وهو القرآن- مخلوق. وإذا كان المقصود به التلفُّظ…

كلام الله سبحانه وتعالى هو الملفوظُ به المقروءُ المتلوُّ، وهو المحفوظُ في الصدورِ، وهو المكتوبُ في الصحفِ، هو كلُّه كلام الله جل جلاله، والصوت - على ما يقول أهلُ العلمِ -: صوتُ القاري، والكلامُ كلامُ الباري.

والمحفوظ في الصَّدر لا يُدرك، ولا يُعرف الحافظ من غيرِ الحافظِ؛ إلا إذا قرأ، وما دام مترددًا في النفس فإنه لا يُسمَّى كلامًا أصلًا. ولابن حزم كلامٌ شنيعٌ في هذه المسألةِ، ذكره ابن…

لا تُصرِّح بالقول بخلق القرآن، كما قالت الجهميَّة والمعتزلة، ولا تقف فتقول: «أقول كلام الله وأتوقف لا أقول: غير مخلوق»، بل عليك أن تعتقدَ وتصرِّح وتُفصح بأن القرآنَ كلامُ الله جل جلاله منزل غير مخلوقٍ. فقد عرَفنا أن مذهبَ الجهميَّة والمعتزلة القولُ بأن القرآنَ مخلوقٌ، وشُبهتهم هذه قد راجت ووجدت قبولًا من بعضِ الناسِ، لا سيما الضِّعاف الذين لا يحتملون العزائم؛ خاصة وقد دُعِّمت في عهد الخليفة…

«المليك» صيغة مبالغة على وزن فَعيل، قال تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55] وقد جاء في السنَّة: «رب كلِّ شيءٍ ومَليكه» [أبو داود (5067)، والترمذيُّ (3392)، وأحمد (51)، والدارمي (2731)]، ومثلها «مَلِك» على وزن فَعِل؛ كما في القراءة المتواترة {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]،…

«كلامُ الله» من إضافةِ الصفةِ إلى الموصوفِ، والإضافة تقتضي التَّشريف بلا شك، سواءٌ كانت من المعاني التي لا تقوم بذاتها، أو من الأعيانِ التي تقوم بذاتها، فإن كانت من المعاني التي لا تقوم بذاتها، فهي صفات فليست بمخلوقةٍ، وإن كانت من الأعيانِ التي تقوم بذاتها فهي مخلوقةٌ، فـ«بيت الله»، و«ناقة الله»، و«عبد الله»؛ كلُّ هذه مخلوقات، وهذا مذهبُ أهلِ السنةِ.

أما المعتزلة فعندهم أن كلَّ ما…

معتقد أهل السنَّة والجماعة أن القرآن كلام الله جل جلاله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه سبحانه وتعالى يتكلَّم متى شاء بما شاء، وكلامه جل جلاله وإن كان قديمَ النوعِ - بمعنى أنه تكلَّم في الأزل - فإنه متجدِّد الآحاد.

حمل الجهمية التكليم في قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] على التَّجريح، يعني: جرح الله موسى بأظفارِ المحنِ؛ لأن لمادة «كلم» عدَّة معانٍ، ومنها: التَّجريح؛ كما جاء: «ما من مَكلومٍ يُكلم في سَبيل الله إلا جاء يومَ القيامةِ...» إلى آخره [البخاري (5533)، ومسلم (1876)]، فـ«يُكلم» يعني: يُجرح، وهذا تحريف للمعنى -…

النُّصوص صريحة في القرآنِ في إثباتِ كلامِ الله جل جلاله، ولما أراد الجهميُّ أن يحرِّف اللفظ في قول الله سبحانه وتعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] قال: «كلَّم اللهَ» بالنَّصبِ فحرَّف تحريفًا لفظيًّا، لكن إذا تسنَّى له أن يحرِّف مثل هذا، فكيف يستطيع أن يحرِّف: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]؟ لا يُمكنه ذلك ألبتة،…

اعتمد الأشاعرة عقولهم حتى وقَعوا في أشياء لا يُمكن أن تصدرَ حتى عن المجانين، وقرَّروها في مصنفاتهم، فعندهم مثلًا يجوز أن يرى الأعمى وهو بالصين بقَّة الأندلس، والبق: صغار البعوض؛ وذلك لأنهم قالوا: إن الأسبابَ لا أثرَ لها؛ ووجودها مثل عدمها، فالبصر الذي هو سبب للإبصارِ، عندهم لا أثر له، فالإبصار - أي: الرؤية - وقع عنده لا به، وعليه بنوا أنه إذا كان البصر مجرَّد سبب - والسبب لا أثر له - فلا مانع…

رُمي الجهميَّة بالكفرِ، الذي قرَّره خمسمائة عالم، يقول ابن القيم رحمه الله [نونية ابن القيم (ص: 42)]:

ولقد تقلَّد كُفرَهم خمسون في        عـشرٍ من العلماءِ في البُلدانِ

واللالكائيُّ الإمام حكاه عنـ     ـهم بل حكاه قبله الطبرانيُّ

الأشاعرة عندهم أن كلام الله واحد لا يتغيَّر، لكن إن عُبر عنه بالعربيةِ صار قرآنًا، وإن عُبر عنه بالعبرانية صار توراةً، وإن عُبر عنه بالسريانيَّة صار إنجيلًا.

ومُقتضى هذا أن كلَّ ما يُوجد في القرآن يُوجد في التوراةِ والإنجيلِ؛ إلا أن اللُّغات تختلف، فلو تُرجمت التَّوراة إلى العربية صارت مصحفًا مثل ما بأيدينا، والعكس، فلو تُرجم القرآن إلى العبرانيَّة أو السريانيَّة صار توراةً أو إنجيلًا…

كلامُ الله جل جلاله - الذي هو القرآن - غيرُ مخلوق؛ خلافًا لمن يقول بخلقه سواءٌ قالوه صراحةً، كالجهمية، والمعتزلة، أو آل إليه كلامهم، كالأشاعرة والماتريدية الذي يؤول إلى القولِ بخلقِ القرآنِ وإن لم يُفصحوا به، فهم يقولون بالكلامِ النفسيِ، وهو أن كلامَ الله الحقيقيَّ معنى قائمٌ بنفسِه، فكلامهم باطل، لا حظَّ له من النظرِ، ويسقط بأدنى تأمُّل، لكنهم أرادوا أن يلبِّسوا على الناسِ؛ لئلا يُرموا بما…